التقديم:
إن الحديث عن أبعاد و فلسفة القانون المنظم للمؤسسات السجنية بصفة عامة و الشق المتعلق بتأهيل السجناء بصفة خاصة يجر الحديث إلى تناول الفعالية و النجاعة في قيام القانون بوظيفته على أكمل وجه , فالقاعدة القانونية هي تنشأ لتنظيم العلاقات داخل المجتمع و رسم حدود السلطات و الصلاحيات المخولة لكل فرد و بيان حقوق الفرد و التزاماته بالإضافة إلى أنها تتضمن تحديدا لما قد يترب من جراء الإخلال بالمبدأ الذي أقرته .
فالغاية من القاعدة القانونية هي تحقيق تعايش سلمي داخل الجماعة و من تم فهي تنطلق بمجموعة من خصوصيات المجتمع و طموحات أفراده لتسير إلى الغاية الحقيقة التي يصطلح عليها بوظيفة القانون التي هي التنظيم من خلال منع التجاوز , لذلك فهي تنبع من خلال الأغراض التي رسمها المشرع , فهناك دائما إرادة و أهداف وراء وضع كل نص قانوني فهذه الأخيرة حسب القناعات و الإيديولوجيات و الاختيارات السياسية و الاجتماعية . وإلى جانب تغير الظروف هناك تغيير في فلسفة العقوبة ذلك أن السياسة الجنائية المغربية أصبحت تتوخى حماية المجتمع و إصلاح المجرمين لتطويق ظاهرة العود , و هذا ما يجب معه التركيز على سياسة عقابية هدفها تسهيل تأهيل السجناء , كما ان الدافع ينطلق أيضا من هاجس آخر هو بلورة المفهوم الحقيقي الذي تريد الدولة إعطاءه للعقوبة السالبة للحرية , و على اعتبار أن السجن فضاء لقضاء العقوبة وليس فضاء يسير حسب أهواء الناس, فلا بد أن يكون هناك انسجام بين مفهوم المشرع للعقوبة و بين الدافع لتنفيذها , إذ لابد أن يحصل نوع من الترابط و أن يكون هناك امتداد يحقق فيه القائمون على تنفيذ العقوبة لمقاصد السلطة القضائية و السلطة التشريعية , حتى تكون هناك استمرارية في نفس التفكير و نفس النهج .
و بالرجوع للتطورات التي عرفتها سياسة تنفيذ العقوبة حيث كان نزلاء المؤسسات السجنية يعيشون تهميشا تفرضه النظرة الدونية التي يحملها لهم المجتمع , و كان للإصلاح مفهوم شاذ والذي لم يعد له مكان في وقتنا الراهن, فكانت ضرورة ملحة لأن يعاد النظر في الفضاء السجني وتقنن الإمكانيات المخولة للسجناء. فالسجين قد تكون أجبرته مختلف العوامل في متاهة الجريمة .
و كون إصلاح نزلاء المؤسسات السجنية و تأهيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع يتطلب إمكانيات و جهود بشرية لا حصر لها لتفريد العقاب و العلاج و هو ما جعل البعض يصفها بمثالية العلاج و الإصلاح , لهذا يتعين التفكير بجدية في كيفية تنفيذ هذا التأهيل من خلال التحلي بالواجب القانوني و خلق علاقات تبادلية بين مختلف المؤسسات التي تعنى بالتأهيل لأنه من الصعوبة بمكان علاج المنحرفين بنفس الوسائل و الطرق المعتمدة تقليديا في ظل التطورات التي يشهدها المنتظم الدولي .فعلى الرغم من الخطط المسطرة تشريعيا لتحقيق هدف التأهيل فإن أكبر عائق لتحقيق هذه الغاية هو مصطلح المجرم الذي يظل يلاحق الشخص الذي سبقت إدانته بعقوبة سالبة للحرية على إثرها تم وضعه داخل المؤسسة السجنية الذي يعتبر في حد ذاته عقوبة إضافية للمنع من الإدماج يكرسه الإقصاء من الولوج للعديد من الوظائف و اقتحام عالم الشغل , مما يسد أبواب الأمل أمام هؤلاء , و يكون السبب في العودة إلى الجريمة باعتبارها الفعل الوحيد الذي لا يشترط القانون أي شرط للقيام به .
و عليه فإن الإدماج الحقيقي في المجتمع يتمثل من خلال تأهيل السجناء و إعدادهم على المستويين التربوي و النفسي والاجتماعي, لكي يصبحون قادرين على التوافق من جديد مع ذويهم و مع الآخرين, بشكل يمكنهم من العودة إلى العيش داخل المجتمع بطريقة إيجابية دون حقد و انتقام و لا شعور بالنقص و بالتالي اندثار السجين مع ماضيه الإجرامي, و هذا لن يتحقق إلا من خلال عدة معطيات لعل أبرزها تدعيم الرعاية اللاحقة بشكل جدي عبر إسناد هذا الدور إلى المؤسسات العامة عبر ترسانة قانونية واجبة التطبيق و كذا مؤسسات المجتمع المدني , و القطاع الخاص لتوفره على الإمكانيات اللازمة لذلك. و بالتالي فمن هنا تبرز الإشكالية الرئيسية و التي مفادها:
إلى أي حد استطاعت برامج التأهيل المسطرة تشريعيا أن تحقق الوظيفة التي باتت مطلوبة من العقوبة السالبة للحرية ؟
إلا أن هذه الأخيرة تتفرع عنها تساؤلات فرعية يمكن إجمالها في ما يلي :
· هل يقتصر دور المؤسسات السجنية على تنفيذ العقوبة فقط ؟
· هل للمؤسسات السجنية و وسائل العقاب أثر في اصلاح الجاني و تأهيله ؟
· ما دور النظم الإدارية الحديثة في الإصلاح و التأهيل ؟
· هل أوجد المشرع برامج تتلائم مع مدة العقوبة ؟
· هل المشرفين على المؤسسات السجنية مستعدون للقيام بمهامهم على أحسن وجه؟
· هل كل السجناء يحتاجون للتأهيل؟ أم أن هناك فئة لا تحتاج له دون الأخرى؟
ولكن قبل الخوض في غمار الإجابة على الإشكالية الرئيسية ومجموع هذه التساؤلات
الفرعية فإن الأمر يقتضي تناولها بالاعتماد على سياق ممنهج بغية الإحاطة بهذه الإشكالية سنتعمد التقسيم التالي:
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا