تطبيق قواعد المسطرة المدنية امام القضاء الزجري
بقلم الأستاذ عبد العزيز حضري
كلية الحقوق وجدة
تقديم :
يشكل القضاء المدني المجال الاصلي لتطبيق قواعد المسطرة المدنية، لكن هذا القضاء لا يحتكر وحده حق البت في المطالب المدنية، اذ يتدخل القضاء الزجري إلى جانبه للفصل فيها بحكم تبعيتها للدعوى العمومية، وقد تولى قانون المسطرة الجنائية ايجاد قواعد خاصة لتنظيم الدعوى التابعة سواء فيما تعلق بمظاهر تبعيتها للدعوى العمومية(1) أو مظاهر استقلالها عنها(2).
ومن المؤكد ان النصوص المسطرية الجنائية المنظمة للدعوى التابعة قاصرة عن معالجة جميع جوانبها، مما يثير مشكلة امكانية اقتباس نصوص المسطرة المدنية لسد النقض الملاحظ في النصوص الجنائية.
وخارج إطار الدعوى التابعة يبقى التساؤل مطروحا حول جواز اللجوء إلى النصوص المسطرية المدنية لتطبيقها أمام القضاء الزجري، وباية شروط ؟
ذلك هو المشكل الذي نهدف إلى معالجته من خلال استقراء مجموعة من قرارات المجلس الأعلى في الموضوع، سواء منها تلك التي اعتمدت نصوصا مسطرية مدنية، أو التي استبعدتها، وذلك في مبحثين، يتناول الأول منها موقف المجلس الأعلى من تطبيق قواعد المسطرة المدنية في إطار الدعوى التابعة ويتعرض الثاني لموقفه منها خارج اطارها، مع ملاحظات واستنتاجات ختامية.
المبحث الأول : موقف المجلس الأعلى من تطبيق قواعد المسطرة المدنية في إطار الدعوى التابعة
كثيرة هي الحالات التي لجأ فيها المجلس الأعلى إلى تطبيق قواعد المسطرة المدنية في الدعوى التابعة، وليست بالقليلة أيضا تلك التي صدرت عنه فيها قرارات تتم عن تردد واضح، تارة يقول فيها باعمال النصوص المسطرية المدنية، وتارة أخرى يرفض ذلك، واحيانا في نفس الموضوع، كما سوف يتبين من النماذج الاتية :
أولا : نماذج من الحالات التي اعتمد فيها المجلس نصوصا مسطرية مدنية :
اعتمد القضاء العالي في حالات متعددة نصوصا مسطرية مدنية، نوجزها في الحالات الاتية
1- طلبات الادخال والضمان الفرعي :
طبقا للفصل 2 من ظهير 8 يوليوز1937 المتعلق بتنظيم صوائر التعويضات عن حوادث السير، وتنظيم عقود تامين مالكي السيارات عن حوادث الطرق، فان ادخال شركة التامين يكون واجبا واجباريا سواء على المتضرر المدعي أو المؤمن له المدعى عليه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) كالفصول 380 و381 من ق م ج المتعلقين بالبت في مطالب الرد والتعويض ولو في البراءة، او المواد 367-
368-369 من ق م ج المتعلقة بالشروط الواجبة في الاستدعاء الموجه إلى المطالب بالحق المدني، والمادة
15 من ق م ج المتعلقة بسرية التحقيق، و306 الخاصة بشفوية المرافعات، أو غيرها من المواد
الاخرى كالمادتين 394 و419.
2) نذكر منها بشكل خاص المادتين 13 و14 ق م ج المتعلقين باسباب انقضاء وتقادم الدعوى التابعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسواء رفعت دعوى التعويض امام القضاء المدني أو الجنائي.
لكن لا ظهير8 يوليوز1937، ولا قانون المسطرة الجنائية اشار إلى إجراءات وقواعد الادخال في الدعوى، ولذلك التجأ القضاء إلى قواعد المسطرة المدنية حيث قرر المجلس الأعلى انه ” وحيث لا يوجد نص في قانون المسطرة الجنائية ينظم مسطرة ادخال الغير في الدعوى بصفته ضامنا أو لاي سبب اخر، فانه يتعين الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية باعتباره القانون الاصلي” (3).
2- الطلبات الجديدة في الاستئناف :
طبق المجلس الأعلى المادة 143 من ق م م المتعلقة بمنع تقديم الطلبات الجديدة في الاستئناف على الدعوى التابعة وقرر من جهة أولى ” عدم قبول ادخال شركة التامين لاول مرة في الاستئناف باعتبار ذلك طلبا جديدا تحرمه المادة 143 من ق م م” (4) كما اعتبر المجلس الأعلى من جهة أخرى، وتطبيقا للمادة 143 من ق م م دائما انه ” لا يعتبر الطلب جديدا، إذا كان طلبا متمما للطلب الاصلي” ورتب على ذلك قبول طلب اضافي من المصاب في حادثة سير بسبب تفاقم الضرر، الذي قدمت بشانه شواهد طبية لاول مرة امام محكمة الاستئناف(5).
3- البت في حدود طلبات الأطراف :
وفقا للمادة 3 من ق م م، فانه يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف، ولا يسوغ له ان يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات وقد طبق المجلس الأعلى مقتضيات هذه المادة على الدعوى التابعة، ونقض قرار قضى للمصاب باكثر مما طلب، بل واعتبر انه ” وان كانت طريقة احتساب التعويضات منظمة تنظيما خاصا اريد به حماية مصالح المصابين في حوادث السير، فانه لا يوجد في ظهير2/10/1984 ما يسمح بالخروج عما تقرره المادة 3 من ق م م المستدل بها من الطاعن”(6).
وللاشارة فان الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى ذهبت في حالة مشابهة إلى استبعاد تطبيق مقتضيات المادة 3 من ق م م لتعارضها مع مقتضيات ظهير6 فبراير1963 (7).
وللاشارة أيضا، فان المجلس الأعلى لم يعتبر قراراته خرق المادة 3 من ق م م سببا من اسباب النقض، بل من اسباب اعادة النظر، وهو موقف يثير مشكلا آخر بالنسبة للدعوى التابعة، سنتعرض له لاحقا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3) قرار المجلس الأعلى، عدد 1204 بتاريخ 19/04/1981، مجلة القضاء والقانون، عدد 131 – ص 73.
4) ذلك في نفس القرار المشار إليه أعلاه.
5) قرار المجلس الأعلى عدد 7840 – ملف جنحي رقم 20013 بتاريخ 18/06/1985، مجلة قضاء المجلس
الأعلى – عدد 39 – ص 241.
6) قرار المجلس الأعلى عدد 1051 – ملف جنحي رقم 13600/89 الصادر بتاريخ6/02/1990 مجلة قضاء المجلس
الأعلى عدد 44 – ص 153، وفي نفس الاتجاه قضت استئنافية مراكش في قرارها عدد 1759/88
بتاريخ 26/10/1988 مجلة المحامي، هيئة مراكش – عدد 19/20 – ص 201.
7) لانه حسب قولها ” لا اثر لاية قاعدة إذا تعارضت مع مقتضيات النظام العام كتلك الواردة في ظهير المذكور ”
قرار عدد 6920 – ملف اجتماعي بتاريخ 11 فبراير1985 مجلة القضاء والقانون عدد 135/36 – ص 197.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- اهلية المتهم ( المدعى عليه) في الدعوى التابعة :
لم يشترط قانون المسطرة الجنائية توفر اهلية التقاضي في المدعى عليه في الدعوى التابعة، لكنه وضع حلا جزئيا يتعلق بالحدث، حيث نص في الفصل 584 من ق م ج على انه ” توجه المطالبة بالحق المدني ضد الحدث مع ادخال نائبه القانوني”، والحال ان المسؤول جنائيا، يمكن ان يكون قاصرا مدنيا، ولا يتوفر على اهلية التقاضي حسب مقتضيات المادة الأولى من ق م م.
ويظهر ان المجلس الأعلى، ثابت على اشتراط اهلية التقاضي المدنية وفقا لمقتضيات المادة الأولى من ق م م وان لم يفصح عن ذلك صراحة في قراراته، لكنه قضى بالغاء حكم استئنافي احل الاب – الذي استدعي كشاهد – محل ابنه في اداء التعويضات بصفته مسؤولا مدنيا دون ان يقع ادخاله في الدعوى(8).
ويلاحظ على هذا القرار انه وان اعتمد المقتضيات المتعلقة بالادخال في الدعوى فان وضعية القاصر كان لها دور في نقض المجلس الأعلى للقرار الاستئنافي المذكور، وفي قرار آخر وقف المجلس الأعلى موقفا اكثر وضوحا عندما قال بانه ” لا يحكم على المتهم بالتعويض، والحال انه لم يبلغ سن الرشد القانوني”(9).
وللاشارة، فان المجلس الأعلى لا يعتبر الدفع بخرق مقتضيات الفصل 584 من ق م ج من النظام العام (10) بينما يعتبر الدفع بخرق مقتضيات المادة الأولى من ق م م من صميم النظام العام (11).
5- ادخال العون القضائي :
ينص الفصل 514 من ق م م على انه ” يجب ادخال العون القضائي في الدعوى كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو ادارة عمومية، أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب والاملاك المخزنية، والا كانت الدعوى غير مقبولة”.
وقد استقر القضاء الجنائي على الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية التابعة المرفوعة ضد اشخاص القانون العام المشار إليهم في الفصل 514 من ق م م، إذا لم يقع ادخال العون القضائي في الدعوى(12)، وذلك رغم ان اغلب حالات الدعاوى التابعة المرفوعة ضد الدولة تتعلق بحوادث السير التي تتسبب فيها وسيلة نقل تابعة للدولة والتي تخضع لمقتضيات ظهير8/10/1977 المنظم لمكتب النقل، خاصة فصله الثالث عشر الذي ينص على ان الدولة يمثلها في هذه الدعاوى مدير مكتب النقل.
ثانيا : نماذج من الحالات التي صدرت فيها قرارات متضاربة.
نمثل لهذه الحالات بنموذجين : امكانية الطعن باعادة النظر في الدعوى التابعة، وابعاد محكمة القاضي عن نظر الدعوى التي يكون هو أو زوجه طرفا فيها.
1- طلب اعادة النظر في الدعوى التابعة :
يعتبر الطعن باعادة النظر طعنا مدنيا صرفا تنظمه مقتضيات المادة 402 وما بعده من ق م م وهي مقتضيات لا مثيل لها في نظيرها الجنائية، مما يثير امكانية اقتباسها وتطبيقها على الدعوى التابعة حالة فصل المحكمة الزجرية في الدعوى العمومية بالادانة، واغفال البت في طلبات المطالب الحق المدني، أو في جزء منها أو الحكم له باكثر مما طلب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8) قرار عدد 452 بتاريخ 28/10/1976، غير منشور.
9) قرار عدد 5442 بتاريخ 15/09/1983 قضاء المجلس الأعلى عدد 33/34،21) ص 166.
10) قرار عدد 719 بتاريخ 12/05/1977، غير منشور.
11) قرار عدد 34 بتاريخ 20/9/1978 مجلة القضاء والقانون عدد 129.
12) قرار عدد 909 بتاريخ 24/06/1976 والقرار عدد 3715 بتاريخ 8/5/1978.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد صدرت عن المجلس الأعلى قرارات متضاربة في الموضوع، وكذلك المحاكم الدنيا، حيث جاء في احد قراراته ان ” الدعوى المدنية المعروضة على محكمة زجرية بحكم تبعيتها لدعوى عمومية، لا تخضع الا لمقتضيات المسطرة الجنائية دون سواها وبالتالي يكون طلب اعادة النظر بناءا على مقتضيات المسطرة المدنية غير مقبول”(13).
لكن المجلس الأعلى اجازه في قرار آخر، وقال بانه ” يكون صحيحا ومقبولا الاعتماد على قانون المسطرة المدنية لطلب اعادة النظر في قرار صادر عن المجلس الأعلى في مادة جنحية “(14).
وكرر المجلس الأعلى نفس القاعدة في قرار آخر، دون الإشارة إلى مقتضيات المسطرة المدنية، وانما اعتبارا لكون الطاعن سبق له الادلاء بالمذكرة المنصوص عليها في الفصل 579 من ق م ج، دون ان يلتفت المجلس الأعلى إلى وجودها، بسبب عدم الحاقها بالملف في الوقت المناسب(15).
ثم عاد مرة أخرى إلى ما سبق ان منعه، وقضى بان ق م ج، لا ينظم الطعن باعادة النظر ولا يوجد فيه ما يفيد ان الاحكام الزجرية قابلة للطعن باعادة النظر، وبالتالي لا يجوز الخلط بين طرق الطعن المدنية والزجرية لعدم وجود سند قانوني يمكن الاعتماد عليه لسلوك احدى طرق الطعن المدنية امام المحاكم الزجرية(16).
ويثير موقف المجلس الأعلى الملاحظات الاتية :
أـ يلاحظ أولا ان المجلس الأعلى يبيح لنفسه التراجع عن قراراته الصادرة في المادة الجنحية بناءا على قواعد مسطرية مدنية(17)، ويمنع ذلك عن محاكم الموضوع وفقا لمقتضيات المادة 402 من ق م م، والحال ان المادة 402 خاصة باسباب اعادة النظر امام محاكم الموضوع، بينما المادة 379 من ق م ج، تخص حالات اعادة النظر امام المجلس الاعلى(18).
ب ? وحسب المادة 402 من ق م م، فان اهم حالات اعادة النظر في حالة بت القاضي في ما لم يطلب منه او الحكم باكثر مما طلب أو اغفال البت في احدى الطلبات، وهذه هي الحالة التي يمكن اثارتها غالبا بالنسبة للدعوى التابعة، وهي تعد خرقا للمادة الثالثة من ق م م، من طرف المحكمة، وفي هذه الحالة تكون بيد المتضرر من هذا الخرق المسطري وسيلتان للطعن في الحكم ان كان انتهائيا، وهما النقض وطلب اعادة النظر وبالتالي يمكن للمجلس الأعلى ان يغلق باب اعادة النظر في الدعوى التابعة لانعدام نص مسطري جنائي يسمح بذلك مادامت امكانية النقض مفتوحة، وذلك رغم ان طلب اعادة النظر يوجه إلى نفس المحكمة التي اصدرت الحكم، ويخفف بالتالي عن هذا المجلس تكاثر طلبات النقض، وسيكون هذا الموقف مبررا إلى حد ما، لكن يلاحظ من جهة أخرى ان المجلس الاعلى قد اغلق طريق النقض أيضا في هذه الحالة، حيث اصدر اكثر من قرار يقضي فيه بان ” خرق المادة الثالثة من ق م م،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13) قرار المجلس الأعلى عدد 869/60 بتاريخ 15/04/1977 مجلة المحاماة عدد 13 ص 99.
14) قرار عدد 489 بتاريخ 16/02/1978 مجلة المحاماة عدد 13 ص 101.
15) القرار عدد 3783 في الملف الجنحي رقم 12343/87 بتاريخ 23/7/1987 مجلة المحاماة عدد 19/20 ص 155.
16) القرار الجنحي عدد 788/90 بتاريخ 27/12/1994 غير منشور.
17) وهي المادة 379 من قانون المسطرة المدنية.
18) ويبدو انه نفس موقف مجلس الأعلى بخصوص طلب اعادة النظر في الاحكام الصادرة في مادة التخفيض العقاري. انظر مقالتنا بعنوان : ” تطبيق قواعد المسطرة المدنية امام قضاء التحفيظ العقاري”، مجلة : هيئة محامي الناظور – العدد 1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشكل سببا لاعادة النظر، وليس سببا من أسباب النقض”(19)، وبالتالي، فاننا نرى انه ينبغي للمجلس الأعلى ان يفتح على الاقل طريقا للتظلم من الحكم الاستئنافي الجنحي، وذلك اما بالتراجع عن قراراته المتعلقة باغلاق باب النقض امام طالبه استنادا للمادة 3 من ق م م، أو التراجع عن قراراته المتعلقة بمنع طلب اعادة النظر في الدعوى التابعة بحجة عدم وجود نص مسطري جنائي يسمح بها.
2- ابعاد محكمة القاضي عن نظر الدعوى التي يكون هو أو زوجه طرفا فيها.
طبقا للمادة 517 من ق م م، فانه إذا كان قاض من قضاة محكمة الاستئناف أو المحكمة الابتدائية أو زوجه طرفا في الدعوى بصفة مدع أو مدعى عليه، اصدر الرئيس الأول بناءا على طلب من يعينه الامر قرارا يقضي بتعيين المحكمة التي ستنظر في القضية خارج دائرة محكمة الاستئناف التي يزاول القاضي مهامه فيها، وذلك خلافا لقواعد الاختصاص المشار إليها في هذا القانون، ويكون كل حكم صادر بدون هذا القرار باطلا”.
وقد صدرت في هذا الموضوع عدة قرارات عن السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى ترفض سحب الدعوى المدنية التابعة من المحكمة المختصة لعدم وجود نص في ق م ج يسمح بذلك، وعلى أساس ان المادة 517 من قانون المسطرة المدنية التي تقضي بذلك تطبق امام القضاء المدني وحده(20)، وقد ايد المجلس الأعلى في عدة مناسبات موقف رئيسه الأول(21) لكن السيد الرئيس الأول تراجع عن اجتهاده السابق، وقرر ان المادة 517 من ق م م، قابلة للتطبيق في كل نزاع مدني يوجد القاضي أو زوجه طرفا فيه، لا فرق بين ان يكون النزاع قد تم في صورة دعوى مدنية عادية، أو دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية(22).
كما ان المجلس الأعلى اكد موقف رئيسه، عندما اعتبر ان مقتضيات الفصل 517 من ق م م تعتبر من النظام العام، ويمكن لاي طرف ان يثيرها تلقائيا، وانه لئن كانت القضية بحكم انها تتعلق بالدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية وان الغرفة الجنحية تطبق نصوص قانون المسطرة الجنائية، فانه من المقرر فقها ان احكام المسطرة المدنية يمكن ان يرجع إليها لسد ما يكون من نقص في ق م ج، وبجواز تطبيقها في ما لم يرد فيه نص في قانون المسطرة الجنائية (23).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
19) ونذكر منها قرارين : القرار 151 بتاريخ 25/6/1987- مجلة المحاكم المغربية عدد 52 – ص 89 والقرار
عدد 282 بتاريخ 10/8/1989 مجلة المعيار عدد 16، ص 107.
20) نذكر منها : القرار عدد 55/77 بتاريخ 15/4/1977 – مجلة المحاماة – عدد 13.
والقرار عدد 146 بتاريخ 24/9/1980 – مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 27.
والقرار عدد 366 بتاريخ 27/12/1983 – مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 33/34.
21) منها قراره عدد 7467 بتاريخ 2 اكتوبر1984، مجلة قضاء المجلس الاعلى، عدد 37/38، ص 257، الذي جاء
فيه “ان الدعوى التابعة التي اقامها القاضي غير خاضعة للاذن باقامتها”، ولم يرد في قانون المسطرة الجنائية
نص مشابه للفصل 517 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالحصول على الاذن بتعيين المحكمة المختصة من
طرف الرئيس الأول للمجلس الأعلى.
22) قرار الرئيس الأول عدد 4318/92 بتاريخ 12/4/1992 – قضاء المجلس الأعلى عدد 46.
23) قرار المجلس الأعلى عدد 980/2 بتاريخ 19/02/1995، ملف جنحي عدد 14746/94 – مجلة قضاء المجلس
الأعلى، عدد 49/50 – ص 169.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثا : نماذج لثبات المجلس الأعلى على موقفه الرافض لتطبيق قواعد المسطرة المدنية في الدعوى التابعة.
يتجلى هذا الثبات والاستقرار في موقف المجلس الأعلى من امكانية تطبيق مقتضيات المادة 147 من ق م م، لايقاف تنفيذ الشق المدني من الحكم الجنائي المشمول بالنفاذ المعجل، فمن المعلوم ان الفصل 400 من ق م ج، اجاز للمحكمة الزجرية ان تامر بالتنفيذ المؤقت فيما يرجع لاداء التعويض عن الضرر كلا أو بعضا، بعدما تعلل بوضوح مقررها في المسالة بعرضها الظروف الخاصة التي تبرره لكن المسطرة الجنائية لا تنظم أية مسطرة للايقاف شبيهة بما تقرره مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 147 من ق م م.
وقد استقر المجلس الأعلى منذ الستينات على ان ” طلب ايقاف التنفيذ المؤقت الذي لم تنص عليه احكام ق م ج غير مقبول امام القضاء الجنائي”(24)، وكرر نفس المبدا في قراراته المتعاقبة(25).
لكن المجلس الأعلى لم يستطع اقناع المحاكم الدنيا بموقفه، حيث ظلت كثير من المحاكم الاستئناف تعتبر ان من حقها ان تراقب محكمة الدرجة الأولى في تمتيع المحكوم له بالنفاذ المعجل، وتوقف هذا النفاذ كلما ارتأت ان مبررات منحه غير كافية، وقد استندت هذه المحاكم إلى مبررين مختلفين، لكنهما يصبان في نفس الاتجاه المعاكس للموقف الثابت للمجلس الاعلى :
– موقف يجد سنده في مقتضيات المادة 147 من ق م م، ويرى امكانية تطبيقها لسد النقص الملاحظ في قانون المسطرة الجنائية.
– ?موقف متميز حاول ايجاد سنده داخل مقتضيات المسطرة الجنائية، أي من الفصل 400 من ق م ج الذي يلزم محكمة الدرجة الأولى بتعليل قرارها، واستعراض الظروف الخاصة التي تبرره ورتب على ذلك حق محكمة الاستئناف في المراقبة والايقاف(26).
المبحث الثاني
موقف المجلس الأعلى من تطبيق قواعد المسطرة المدنية خارج إطار الدعوى التابعة
اجاز المجلس الأعلى تطبيق بعض نصوص قانون المسطرة المدنية امام المحكمة الزجرية خارج إطار الدعوى المدنية التابعة، بل واستبعد تطبيق نص مسطري جنائي عام لصالح نص مسطري مدني خاص، لكنه أيضا رفض الاعتماد على نص مسطري مدني في حالة خاصة، ونمثل لهذه الحالات بالنماذج الاتية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
24) قرار عدد 1338 بتاريخ 28/02/1963 – مجموعة قرارات المجلس الأعلى – المادة الجنائية – 1962/1965 –
ص 82.
25) كالقرار عدد 1582 بتاريخ 5/3/1964 – المنشور بنفس الموضوع – ص 208، والقرار عدد 1558 بتاريخ
9/9/1976 في ملف عدد 27/252 – غير منشور، أورده احمد الخمليشي شرح المسطرة الجنائية – الجزء الأول
– طبعة 1980 ص 10- هامش رقم 3.
26) انظر قرار استئنافية البيضاء – ملف جنحي سير عدد 2434 بتاريخ 17/06/1971 غير منشور.
وقرار استئنافية البيضاء عدد 56 بتاريخ 25/12/1981 – مجلة المحاماة – عدد 19 – ص 172
وقرار استئنافية مراكش، بتاريخ 19/05/1968 – مجلة المحاكم المغربية – عدد 3 ص 27.
كما ان استئنافية الرباط كانت تساير هذا الاتجاه، كما في قرارها عدد 47 بتاريخ 28/11/1967، مجلة المحاماة عدد 2 ص 65، لكنها تراجعت عنه وانضمت إلى موقف المجلس الأعلى في قرارها عدد 745/75 بتاريخ 28/4/1976، وتبعتها ابتدائية الرباط كذلك اثناء نظرها في طلب ايقاف حكم غيابي، وذلك في حكمها عدد 22462 بتاريخ 18/6/1976- احكام غير منظورة اوردها محمد القدوري في مقالته في المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد – عدد 3 سنة 1977 – ص 136.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- منع القاضي من النظر في النزاع مرتين :
طبقا لمقتضيات المادة 4 من ق م م، فانه ” يمنع على القاضي ان ينظر في قضية في طور الاستئناف أو النقض بعدما سبق له ان نظر فيها امام محكمة اول درجة، وقد ذهب المجلس في تطبيق هذا النص إلى ان المنع المنصوص عليه في الفصل 4 من ق م م، وهو منع مطلق يشمل القضائيين المدني والجنائي، الجالس والواقف على سواء، وتبعا لذلك نقض قرارا استئنافيا تبين ان ممثل النيابة العامة في الاستئناف، هو نفسه القاضي الذي اصدر الحكم الابتدائي(27).
ويبدو ان المجلس الأعلى، غلب في تفسيره الواسع لهذه المادة البعد الاجتماعي للنص، بدل الالتزام بحرفية النصوص اذ النظر يكون من القضاء الجالس وحده، اما النيابة العامة فتكتفي بابداء رايها ولا تنظر، ومع ذلك، اعتبر حضورها في نزاع سبق لممثلها النظر فيه كقاضي بمثابة خرق للقانون.
2- اهانة هيئة المحكمة الجنائية من طرف محام.
استبعد المجلس الأعلى في كثير من قرار تطبيق مقتضيات المسطرة المدنية في حالة اهانة هيئة المحكمة الجنائية من طرف محام، وقرر ان ” جريمة اهانة هيئة المحكمة الجنائية من طرف محام نص عليها المشرع وعلى عقوبتها في الفصل 341 من ق م م، وهو نص خاص يقدم على النص العام الوارد في قانون المسطرة الجنائية”(28).
ومن المعلوم ان المادة 341 من ق م م، تتعلق بجريمة اهانة هيئة المحكمة المتركبة من طرف محام امام محكمة الاستئناف المدنية، لكن المجلس الأعلى اعتبرها واجبة التطبيق أيضا امام المحكمة الزجرية الاستئنافية، جنحية، عوضا عن المادة 341 من قانون المسطرة الجنائية التي تنظم جريمة اهانة هيئة المحكمة بشكل عام(29).
اما أمام ?لمحكمة الابتدائية المدنية، فتطبق مقتضيات المادة 44 من ق م م، ومقتضياتها مختلفة تماما لمقتضيات المادة341 من ق م م المطبقة امام محاكم الاستئناف المدنية والزجرية، على حد سواء، لكنها تكون المادة 44 من ق م م واجبة التطبيق أيضا امام المحكمة الابتدائية الجنحية ؟ ذلك ما نعتقده واجبا، انسجاما مع موقف المجلس الأعلى من تطبيق المادة 341 من ق م م، امام محكمة الاستئناف الزجرية(30).
3- امتداد اجل الطعن.
تنص الفقرة الثانية من المادة 512 من ق م م على انه ” إذا كان اليوم الاخير من الاجل يوم عطلة، امتد الاجل إلى أول يوم عمل بعده”، ولا مقابل لهذا النص في قانون المسطرة الجنائية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
27) قرار المجلس الأعلى عدد 607 بتاريخ 10/10/1988، مجلة المحامي، عدد 15، ص 122.
28) قرر المجلس الأعلى عدد 1501 بتاريخ 17/4/1984، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 35/36- ص 262 – وقرار المجلس الأعلى عدد 5899 بتاريخ 30/5/1989، مجلة القضاء والقانون عدد 142- ص 145، والنص الجنائي العام المقصود في هذا القرار هو الفصل 341 من ق م ج الذي جاء فيه ” ان عبر بصفة علنية فرد أو عدة افراد من الحاضرين عن عواطفهم، وأحدثوا تعكيرا أو حضورا على الضوضاء بوسيلة ما بقاعة الجلسة، أو باي عمل اخر، يباشر فيه علنيا تحقيق قضائي، امر رئيس المحكمة بطردهم، فان امتنعوا أو رجعوا، امر بالقاء القبض عليه وينقلهم إلى السجن…”
29) من الصدف التشريعية – ان يحمل الفصلان نفس الرقم، وهو 341 من قانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية ايضا.
30) انظر تفاصيل النقاش الفقهي والقضائي حول تطبيق هذه المادة ومناسبته في كتابنا : ” القانون القضائي الخاص”، دار النشر الجسور – وجدة 1999 – ص 54.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث اقتصر الفصل 767 منها على اعتبار الآجال المسطرية اجالا تامة، واحتساب ايام العطل والاعياد فيها.
ولذلك ذهب المجلس الأعلى إلى استبعاد تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 512 من ق. م. م في حالة طعن جنائي صادف يوم اجله الاخير يوم عيد وطني(31).
خاتمة :
لاشك ان القرارات التي اعتمد فيها المجلس الأعلى على قواعد المسطرة المدنية كثيرة بالمقارنة مع قراراته الرافضة لاعمال تلك القواعد، وحتى في حالة رفضه ذلك، نلاحظ ان بعضها من محاكم الموضوع لا تتقيد بموقف المجلس، وتعمل النصوص المدنية خاصة في موضوع ايقاف تنفيذ الشق المدني من الحكم الجنائي المشمول بالنفاذ المعجل.
لكن يبقى ان المجلس الاعلى لم يضع في اي قرار من قراراته سواء الرافضة لاستعارة المقتضيات المسطرية المدنية أو المطبقة لها أي معيار ضابط لشروط هذا التطبيق حيث درج على استعمال نفس الصيغة التبريرية حيث يقرر ان قانون المسطرة المدنية هو شريعة عامة يمكن اللجوء إليها عندما يعمل بعض نصوصها، ثم يؤكد في مقابل ذلك ان المحاكم الزجرية تطبق قواعد المسطرة الجنائية دون سواها عندما ينقض القرارات التي تعتمد نصوصا مدنية، وحتى عندما اراد ان يضع معيارا لاعمال النصوص المسطرية المدنية نجده يربط هذه الاستعارة بوجود نص مسطري جنائي يحيل عليها، وهو شرط لم يتقيد به المجلس الأعلى نفسه.
ومع ذلك يمكن القول، ومن خلال استقراء قرارات المجلس انه يميل إلى تطبيق قواعد م. م كلما تعلق الامر بمبادئ عامة، كمقتضيات المواد 1-3-4 من ق م. م أو بمواد مساعدة أو معينة على تطبيق قواعد ق. م. ج بحيث يمكن اعتبارها مواد مكملة أو مفسرة كالمواد 103 و104 و143 من ق. م. م كما انه يميل إلى تطبيق قواعد م.م كلما راى ان قواعد ق. م. ج قاصر على تحقيق العدل والانصاف، وابرز مثال لذلك استعماله لمقتضيات المسطرة المدنية لاباحة اعادة النظر في قراراته.
ومع ذلك فان موقف المجلس الأعلى ليس واضحا كل الوضوح، لان بعض الحالات التي رفض أعمال النصوص المسطرية المدنية يمكن ادخالها في هذا الباب، كحالة رفض تطبيق المادة 512 من ق م م المتعلقة بامتداد الاجل، كما انه موقف يفتقد الرؤية الشمولية للموضوع، وقد أشرنا إلى موقف غير الواعي من منع تاسيس طلب النقض على خرق المادة 3 من ق م م باعتبار مقتضياتها تدخل في اسباب اعادة النظر، واغلاق باب اعادة النظر في وجه القرارات الاستئنافية الزجرية المؤسسة على مقتضيات المادة 402 من ق م م لذلك نرى انه يمكن تاسيس نظرية قضائية من هذا الموضوع تقوم على الضوابط الاتية :
1- ان قانون المسطرة المدنية شريعة عامة يمكن تطبيقها امام القضاء الزجري دون اشتراط وجود احالة
من ق م ج.
2- لا تستبعد نصوص م. م الا إذا تعارضت مع نصوص صريحة في قانون المسطرة الجنائية.
3- يغلب النص المسطري المدني الخاص على النص المسطري الجنائي العام.
4- يعمل النص المدني كلما حق عدالة ظاهرة،
5- أو فتح بابا لحماية حقوق الدفاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
31) قرار المجلس الأعلى عدد 7622 ملف جنحي عدد 1365/87 بتاريخ 13/10/1987 – مجلة الإشعاع – عدد 6 دجنبر1991- ص 146.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الإشعاع، العدد 22، ص : 9.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا