القائمة الرئيسية

الصفحات

دور الإجتهاد القضائي في الحد من التعرضات الكيدية


دور الإجتهاد القضائي في الحد من التعرضات الكيدية 


من اعداد الطالبة الباحثة : عزيزة الناصري






مقدمـــــــــــة

    يسعى نظام التحفيظ العقاري إلى ضمان حماية الملكية العقارية وتوجيهيها نحو خدمة التنمية الإقتصادية، لذلك ارتأى المشرع تحقيق هذه الغاية من خلال وضع الوسيلة الممكنة لذلك، وحماية حقوق الغير من آثر التحفيظ الناجمة عن قاعدة التطهير، بوضع آلية التعرض في يد من له مصلحة في ذلك، كما أنه ولحماية نظام التحفيظ العقاري ككل، وضع سياسة وقائية قوامها التصدي لكل متعرض يقدم دعواه عن سوء نية[1].
     وإذا كان التعرض يشكل عبئا ثقيلا على المحافظات والمحاكم، فإنه لايمكن الإستغناء عنه باعتباره أحد دعائم نظام الشهر العيني وأحد الوسائل التي تقف في وجه التحايل والترامي على حقوق الآخرين، خاصة وأنه أصبح مصدرا للإسترزاق والمساومة إلى الحد الذي أصبح فيه طلاب التحفيظ يضطرون لشراء صمت المتعرضين تجنبا لإطالة المسطرة أمام المحاكم، ورغم وجود العديد من النصوص القانونية التي تناولت العقارمن كل جوانبه، فإنها في كثير من الأحيان تظل عاجزة عن إيجاد الحلول للكثير من الإشكالات[2]، لذلك تبقى الإجتهادات القضائية وحدها هي الكفيلة بفض تلك النزعات والكشف عن أصحاب النوايا السيئة في تقديم تعرضاتهم، وبالتالي التخفيف من حدتها بناء على مبدأ الردع الخاص والعام، والتسريع في اتخاذ إجراءات التحفيظ قصد تحقيق أهدافه الرامية إلى تشجيع الإستثمار وتنمية الإقتصاد الوطني. قد تتخلل هذه مسطرة التحفيظ تعرضات، مما يترتب عنه إحالة الملف على القضاء للبت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته وحدود ونطاقه، وهو ما يسمى بالمرحلة القضائية لمسطرة التحفيظ، وفي هذا الصدد تستقل دعوى التعرض بعد إحالة الملف على المحكمة المختصة بمجموعة من المساطر والإجراءات الخاصة التي تنسجم مع خصوصيات نظام التحفيظ العقاري الذي يقوم على مبدأ التطهير ونهائية القرار المتخذ بشأنه، هذه الإجراءات بعضها يرتبط بتحضير القضية وتهييئها من طرف القاضي المقرر وبعضها بسلطة المحكمة أثناء البت في التعرضات[1]، حيث خول المشرع في ظل منع المحافظ من فحص حجج الأطراف، إمكانية التأكد من كل وثيقة تثبت الحق المدعى به، وحصر ذلك في حدود الطلبات المقدمة إليها استنادا لمبدأ عدم تجاوز القاضي حدود الطلب.                                                   

ونتيجة انتشار ظاهرة التعرضات الكيدية والتعسفية، إلى الحد الذي أصبح معه بعض الملاك وأصحاب الحقوق العينية يعزفون عن طلب تحفيظ حقوقهم، خوفا من إثارة مثل هذه التعرضات، منح المشرع القضاء سلطات واسعة لاتخاذ  الإجراءات اللازمة لإبراز مظاهر الكيد والبت في مدى صحة التعرضات المحالة إليها من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.
   تأسيسا على ذلك سيتم تناول هذه المعطيات في فقرتين على الشكل التالي:
الفقرة الأولى: حدود سلطة المحكمة في موضوع التعرض
الفقرة الثانية:إجراءات القضاء في إبراز مظاهر الكيد في مجال التعرض

                الفقرة الأولى: حدود سلطة المحكمة في موضوع التعرض
بمجرد توصل كتابة الضبط لدى المحكمة بملف التحفيظ من لدن المحافظ على الأملاك العقارية، وذلك بعدما تسلمه شهادة التوصيل لتأكيد إيداعه للملف.، يقوم رئيس المحكمة بتعيين القاضي المقرر باعتباره هو المكلف بتحضير القضية حتى يتم البت في النزاع إما بصحة التعرض أو عدم صحته، وهذا ما نص عليه المشرع بشكل صريح ضمن الفقرة الأولى من الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07، بقوله "يعين رئيس المحكمة الابتدائية فور توصله بطلب التحفيظ قاضيا مقررا يكلف بتحضير القضية للحكم واتخاد جميع الاجراءات المناسبة لهذه الغاية"، ولما كان أحيل النزاع على المحكمة كما كان معروضا لأمام المحافظ العقاري، فإنه لايجوز للأطراف خلق نزاع جديد، كما لا يجوز للمحكمة أيضا البت فيما لم يطلب منها(أولا).
بعد تعيين القاضي المقرر فإنه يبدأ أولا بدراسة ملف النزاع قصد تحديد معالمه ومضمونه، وحتى يكون ملما بموضوع هذا النزاع وذلك عن طريق تفحص الوثائق الموجودة داخل الملف المقدم من قبل المحافظ لديه، سواء تلك الوثائق المقدمة من طرف طالب التحفيظ أو تلك المدلى بها من جانب المتعرض(ثانيا).
                           أولا: حدود سلطة المحكمة في مجال التعرض                    
     إن اختصاص محكمة التحفيظ أثناء نظرها في دعوى التعرض – خلافا لباقي الدعاوى العينية العقارية الأخرى- هو اختصاص ذو حدود ضيقة تتعلق بأسباب إحالة الملف على المحكمة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، حيث يبدأ الملف في المحافظة العقارية عند تقديم التعرضات أمامها ويتم حصر موضوعها ونطاقها بناء على الطلب الذي تقدم به المعني بالأمر، فتبقى المحكمة في هذا الإطار مقيدة بعدم توسيع نطاق التعرض[1]، وهو ما نص عليه الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 بأنه " تبت المحكمة  في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه، وتحيل الأطراف للعمل بقرارها بعد اكتساب الحكم قوة الشئ المقضي به، على المحافظ على الأملاك العقارية الذي له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كلا أو بعضا مع الاحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 37 مكرر..."، يعني ذلك أن المحكمة لا صلاحية لها للبت في الجوانب الشكلية للتعرض، ومرد ذلك إلى أن الأمر موكول للمحافظ على الأملاك العقارية.
     وتشمل الجوانب الشكلية كل ما يتعلق بالبيانات والوثائق اللازمة في تدعيم التعرض وكذا الآجال القانوني والمصاريف القضائية والتقيد  بنطاق الدعوى وأطرافها، وقد زكت محكمة النقض هذه القاعدة عندما استقرت على أن التقرير بشأن صحة التعرض من حيث تقديمه داخل الأجل القانوني أو خارجه يعود لاختصاص المحافظ على الأملاك العقارية، فهو وحده الذي يتولى تحضير الملف قبل إحالته على المحكمة، وبأن المحكمة المحال عليها نزاع التحفيظ لا تملك صلاحية فحص الآجال المتعلقة بتقديم التعرضات ضد مطلب التحفيظ[2].
أما فيما يخص سلطة المحكمة في مراقبة أداء الرسوم القضائية من عدمه، فقد سبق وأن قضت محكمة النقض بعدم صلاحية المحكمة بالبت في جميع الأمور المتعلقة بالشكل حيث قضى في أحد قراراته "لكن ردا على السببين معا لتداخلهما، فإن قبول التعرض أو عدم قبوله يعود للمحافظ ... حسب الحالات المنصوص عليها في الفصلين 27 و 29 من ظهير التحفيظ العقاري وأن المحكمة المحال عليها مطلب التحفيظ المسجل بشأنه تعرض، لا تتوفر على صلاحية مناقشة الجانب الشكلي للتعرض، سواء ما يتعلق بالأجل أو غير ذلك وإنما ينحصر دورها ووفق ما حدده الفصل 37 من نفس الظهير في البت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرض"[3].
     وإذا كانت المحكمة لاتختص بالنظر في شكلية التعرض، فإنها بصدد موضوعه يكون لها دور هام، حيث تبت في صحة أو عدم صحة التعرض على مطلب التحفيظ، دون أن تتعدى ذلك إلى النزعات المثارة بين المتعرضين فيما بينهم، امتثالا لمبدأ عدم تجاوز القاضي حدود اختصاصاته، تأكيدا لذلك ورد في قرار صادر عن محكمة النقض بأن "الطعن المقدم من متعرض ضد متعرض آخر غير مقبول، لأن محكمة التحفيظ تبت في الحقوق المدعى بها من طرف المتعرض ضد طالب التحفيظ ولا تبت بين المتعرضين"[4]، إضافة لذلك فإن المحكمة تظل غير مختصة أيضا بالنظر في مشروعية وجوهر أو ادعاءات طالب  التحفيظ، مما يعزز من موقف هذا الأخير، وهنا يمكن القول أن ذكر المشرع في نص الفصل 48 من القانون 14.07 تغريم طالب التحفيظ إذا ثبت في حقه الكيد، لن يثب بأي وسيلة إلا إذا صدر الحكم بصحة التعرض الكلي  على مطلب التحفيظ، وأعادت المحكمة مراجعة وثائقه.
    بناء على ذلك يتبين أن المحكمة ملزمة بالنظر في حدود ما قدم إليها من تعرضات، لأن هذه الأخيرة كل منها تشكل دعوى مستقلة ضد مطلب التحفيظ، تلزم  كل متعرض بإثبات ادعائه  على اعتبار أن الاجتهاد القضائي، استقر على أنه بمجرد ما يتقدم المتعرض بتعرضه يصبح في مرتبة المدعي، وبالتالي يقع عليه عبء الإثبات، أما طالب التحفيظ فيعفى منه مبدئيا[5]، مع الإشارة إلى أن إضفاء صفة المدعي على المتعرض يعتبر مجرد استنباط قضائي حسب الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري المنسوخ بمقتضى القانون 14.07، فهو مجرد فرض وضعته المحكمة –محكمة الاستئناف بالرباط منذ سنة 1920- ولم يسبق لها أن قامت بتبريره، وفي الواقع هذا الاعتبار يستند على فكرة مفادها أن تقديم التعرض يترتب عنه نشوء نزاع، وما كان هذا الأخير لو لم يكن هناك أي تعرض،[6] فقد أصدرت محكمة الاستئناف بالرباط قرارا يقضي بأن المشرع لما نسب للمتعرضين دور المدعي، قصد بذلك التشجيع على اللجوء لنظام التحفيظ العقاري[7].
      وعلى الرغم من أن القضاء ساير توجه المشرع وتحلى بروح الشرعية تفعيلا للفصل 37 من الظهير المذكور، الذي يؤطر لتدخل المحكمة في الحد من التدخلات الكيدية من خلال تضييق  نطاق اختصاصه في موضوع التعرض،  إلا أن هذا من شأنه خلق مشاكل في وجه المحاكم، خاصة عندما تصرح المحكمة بصحة تعرضين ضد مطلب تحفيظ واحد، دون أن يكون لها حق الفصل في النزاعات التي قد توجد بين المتعرضين[8]، مما يؤدي لاشك إلى تأخير تصفية النزاع وبالتالي تعطيل مسطرة التحفيظ، كما أن هذا لا يكتسب حجية الشيء المقضي به فيما بين المتعرضين، وهو ما يحول دون تصفية النزاع بصفة نهائية، إذ أن المتعرض الذي حكم له بصحة تعرضه، لا يكون بمنأى عن تعرض المتعرضين الآخرين على المطلب الذي قد يتقدم به لتحفيظ العقار، رغم أنهم سبق وأن ظهروا إلى جانبه في مسطرة تحفيظ سابقة بصفتهم متعرضين .
    وفي هذا الصدد، نادى أغلبية الفقهاء بضرورة منح قاضي التحقيق حق تصفية كل النزاعات الناشئة عن التعرضات  دفعة واحدة، خصوصا وأنه من الصعب على المحكمة البت في كل تعرض على حدة بدون أن يكون لها حق النظر في ادعاءات باقي المتعرضين وادعاءات طالب التحفيظ[9]، ولتفادي هذه الأوضاع أضاف المشرع للفصل 37 فقرة مفادها أنه يجب أن " تبين المحكمة في حكمها حدود ومساحة الأجزاء المحكوم بها لفائدة المتعرضين، وفي حالة الشياع نصيب كل واحد منهم"، وبعد هذا التعديل لم تعد المحكمة ملزمة بالبت في كل تعرض تجاه مطلب التحفيظ وبشكل مستقل عن هه الأخرى وإنما تكون مطالبة بالفصل في الإدعاءات المقدمة ضد طالب التحفيظ، وبين المتعرضين فيما بينهم لتحديد الجزء والنصيب المحكوم به لكل منهم في العقار موضوع التعرض[10].
  وعلى الرغم من كل التعديلات التي يقوم المشرع بإدخالها في مجال العقار، والتحفيظ العقاري على وجه الخصوص، فإنه يبقى مرتعا خصبا لذوي النيات السيئة والطلبات الكيدية، سواء من طلاب التحفيظ العقاري أومن المتعرضين، وبالتالي تكاثر المنازعات القضائية في ظل الدور الواسع للمحافظ على  الأملاك العقارية،  وتعقيد مهام القضاء في ظل محدوية سلطاته في هذا المجال.
                         ثانيا: حدود سلطة المحكمة في فحص الحجج
       اقتضت خصوصيات رفع دعوى التعرض ضرورة إرفاقها بمختلف الوثائق والحجج المؤيدة لادعاءات المدعي على المستوى الإداري أمام المحافظ العقاري، باعتباره المختص الأصيل في تلقي التعرضات، وإحالتها على المحكمةدون إمكانية تقديم حجج أخرى أمام القضاء، بيد أن الموقف القضائي ومراعاة منه لسلبية الآثار الناجمة عن رفض الحجج المقدمة بمناسبة نظر نزاع التعرض قضائيا، بدأ يخفف من قساوة وصرامة هذا المقتضى القانوني، حيث أصدر عدة قرارات ذات حمولة اجتهادية تحض على ضرورة بسط سلطات محكمة التحفيظ العقاري، لتلقي الحجج والمستندات المقدمة إليها في أي مرحلة من مراحل التقاضي أمام درجتي محاكم الموضوع، انطلاقا من أن الخصوم لا يفكرون بصفة جدية في إقامة هذه الحجج إلا بمناسبة النزاع الذي قد يفرض عليهم، كما هو الحال بالنسبة لنزاع التحفيظ العقاري الشيء الذي سمح لعدة مواطنين بالدفاع عن حقوقهم وصيانتها[11]، والتي كثيرا ما كانت تضيع وتهدر في ظل تطبيق الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري قبل نسخه[12]، ثم احتفظ المشرع في ظل القانون 14.07 من هذا الفصل بمسألة إنذار المتعرض بتقديم الحجج وألغى مسألة عدم إمكانيتها في المرحلة القضائية.
    ولقد استقر الاجتهاد القضائي منذ زمن قديم، على اعتبار المتعرض مدعيا يقع عليه عبء الإثبات، وذلك عن طريق تدعيم تعرضه بالحجة المقبولة والمبينة على أساس قانوني، وكذا الدالة على الحق المدعى به، بمعنى أنه يجب عليه الإدلاء بالمستندات المنصبة على حق معلوم،  لأنه في ذلك يسعى إلى استحقاق عقار أو حق عيني، أما طالب التحفيظ فيعتبر في وضعية المدعى عليه وهو معفي من كل إثبات، بحيث يكفي قبول المحافظ على الأملاك العقارية  فتح مطلب التحفيظ  المقدم له من طالب التحفيظ ، وهو ما نص عليه الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري المنسوخ  الذي يلزم المحكمة بالبت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه دون أن يشير هذا الفصل إلى طالبي التحفيظ[13]، وفي ذلك قضت محكمة النقض في أحد قراراتها بأن " نظر المحكمة قاصر على البت في الحقوق المدعى بها من قبل المتعرضين وأنه عند عدم اقتناعه بعدم وجود تلك الحقوق لا يكون مؤهلا للبت في الحجج المؤيد بها طلب التحفيظ الذي يتخذه السيد المحافظ في شأن ما يراه مناسبا[14]"، معنى ذلك أن القضاء ليس له إلا النظر في الحقوق المدعى بها من طرف المتعرض، تحت طائلة التطاول على اختصاص المحافظ الذي له وحده دون غيره  سلطة البت في حجج طالب التحفيظ، وإلا لما تم قبولها من طرفه قبل الوصول لمرحلة التعرضات، يحيل ذلك أن القضاء لا يستطيع البت في مدى جدية حجج طالب التحفيظ وبالتالي يبقى ذلك رهين نزاهة المحافظ على الأملاك العقاري.
    ولما كانت الاجتهادات القضائية تقضي بأن المتعرض هو المسؤول عن الإثبات دون فحص حجج طالب التحفيظ، فإن الأمر يثير التساؤل حول كيفية إرساء معالم الأمن القضائي و قواعد العدل والإنصاف بين أطراف الدعوى، وكذا عن سبل الكشف عن المتعرض الكيدي، لذلك كان الأجدر بالمشرع عدم تقييد سلطة القضاء مادام أن هذا الأخير يضطلع بدور مهم في سبيل تطوير القاعدة القانونية، واستقرار المعاملات وثبات المراكز وصولا إلى تحقيق الأمن العقاري، ارتباطا بذلك ينبغي الإشارة إلى أن محاكم الموضوع وإن كانت لا تخرج في أغلبها عن حرفية نصوص التشريع، خاصة ما تعلق بالفصل 37 من القانون 14.07، فإن محكمة النقض باعتبارها أعلى هرم قضائي في المغرب تسعى إلى إقرار قواعد عامة في سبيل تليين النصوص القانونية وتكييف القضايا النزاعية بين أفراد المجتمع.
    وإذا كانت أشق مسألة في التعرض هي مسألة الإثبات، بحيث إذا لم يقم المدعي وهو المتعرض بإثبات الحق الذي يدعيه رفضت دعواه، وليس للمحكمة أن تبحث في ملكية المدعى عليه[15]،  وإذا كانت نفس المشقة في أن القانون افترض بأن طالب التحفيظ  هو المالك الحقيقي للعقار، وعلى المتعرض أن يدحض هذه القرينة بما يقدمه من حجج للمحكمة، فإن محكمة النقض  أقرت في هذا الصدد  قواعد مفادها أن المتعرض  في الحالة التي لا يقدم فيها مستندات وحجج قوية  تؤكد وتدعم طلبه ضد مطلب التحفيظ، تكون المحكمة غير مؤهلة للبت في حجج طالب التحفيظ وإنما الحكم فقط بعدم صحة التعرض وإعادة الملف إلى المحافظ على الأملاك العقارية لاتخاذ المتعين بشأنه، فقضت في أحد قراراتها بأن " طلب  التحفيظ يعطي لصاحبه صفة المدعى عليه  ولايجب عليه الإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة قوي[16]"، وقضت  في قرار آخر لها بأن يعتبر طالب التحفيظ مدعى عليه في دعوى التعرض، ولهذا فهو غير ملزم بأن يدلي أمام المحكمة بالحجة حتى يدعم المتعرض دعواه بحجة أقوي" .
     من خلال هذه القرارات يتضح أن محكمة النقض وإن كانت تقر بأن المحكمة غير مؤهلة للبت في حجج طالب التحفيظ، فإنها استقرت على  ضرورة فحصها في الحالة التي يدلي بها المتعرض بحجج قوية  تثبت دعواه، مع الإشارة في نفس السياق إلى حالة أخرى يتم فيها فحص حجج طالب التحفيظ، وذلك عندما يكون العقار خاضعا للتحديد الإداري حيث يتعين على المتعرض أن يؤكد تعرضه بمطلب التحفيظ، تأييدا لتعرضه على التحديد الإداري، وبالتالي يصبح طالب التحفيظ هو المتعرض ويقع عليه الإثبات.
     وقد مرت عملية التلطيف من إطلاقية القاعدة المذكورة، من عدة محطات، حاول الاجتهاد القضائي عبرها صياغة قواعد اجتهادية مقيدة للآثار الناجمة عن اعتبار المتعرض مدع ملزم بالإثبات وإعفاء طالب التحفيظ منه باعتباره مدعى عليه  من خلال قلب عبء الإثبات على طالب التحفيظ، وهو ما يتبدى بشكل جلي في حالة التعرض على تحفيظ ملك مشاع يدعى طالب التحفيظ بأنه مفرز، إذ أن المتعرض يعفى من الإثبات، فيكفي أن يدفع بالصفة المشتركة للملك حتى يصار إلى تكليف طالب التحفيظ بإثبات الصفة المفرزة لما يطلب تحفيظه،.
       بيد أن الإستثناءات المذكورة لم تكن الوحيدة المقيدة لإطلاقية قاعدة إلزام المتعرض بالإثبات باعتباره مدعيا، بل إن محكمة النقض  ومن بعده محاكم الموضوع جعلا من عنصر الحيازة الثابتة للمتعرض سببا ومؤشرا لنقل عبء الإثبات لطالب التحفيظ وقلبه عليه، وذلك من خلال عدة قرارات[17]، من بينها  لها بقرار هام جاء في العلة التي نقض بموجبها قرار لمحكمة الإستئناف ما يلي "إن المدعى فيه عندما تثبت حيازته للطرف المتعرض بمقتضى حكم فإن عبء إثبات استحقاقه يقع على عاتق طالب التحفيظ غير الحائز"[18] ، وهو التوجه الذي كان أكثر صراحة في قرار حديث نسبيا للمجلس الأعلى والمصاغ في حيثية من بين ما جاء فيها... "وإن مبدأ اعتبار المتعرض في وضعية المدعي لا يطبق عندما يكون هذا الأخيرهو الحائز لعقار النزاع، إذ لا يمكن أن يطلب شخص شيئا وهو في يده[19].
             الفقرة الثانية : إجراءات القضاء في إبراز مظاهر الكيد في مجال التعرض
بالنظر إلى المقتضيات القانونية التي سنها المشرع وحدد من خلالها حدود تدخل القضاء في مسطرة التحفيظ العقاري، خاصة ما يتعلق بالنزاع حول الحقوق المدعى بها بين طالب التحفيظ والمتعرضين دون إمكانية البت في حجج المتعرضين فيما بينهم، فإن الأمر يؤدي أحيانا إلى تعارض الوثائق والمستندات المقدمة من أطراف الدعوى وبالتالي الإعتداد بسلطة القاضي التقديرية في ظل عدم وجود نصوص تكرس حل هذه الإشكالية، مع العلم إلى أن هذا لا ينفي دور المحكمة في الكشف عن مظاهر الكيد الصادرة عن المتعرضين (أولا)، وحتى لاينطلي جور أي من الأطراف على وثائق الملف، فإن القاضي يستمع إلى أطراف النزاع قصد تكييف وربط معطيات القضية وتعزيز ذلك بالإنتقال إلى المكان لجمع المعطيات اللازمة حول النزاع(ثانيا).
                             أولا: دراسة القضية والوقوف على مظاهر الكيد                 
بعد التصريح بالتعرض وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري، وانتهاء آجال التعرض وبعدما يتأكد المحافظ على الأملاك العقارية من القيام بمختلف مراحل الإشهار والمستندات المثبتة لذلك، وإذا لم يستطع طالب التحفيظ  رفع التعرض، فإن المحافظ على الأملاك العقارية في هذه الأحوال يقوم بإحالة الملف على المحكمة الإبتدائية التي يقع العقار موضوع مطلب التحفيظ في دائرة نفوذها[20]، ليقوم رئيس المحكمة فور توصله بالمطلب بتعيين قاض مقرر استنادا الفصل 34 من القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري[21]، قصد دراسة القضية والوقوف على طبيعة النزاع، إذا ماكان يتعلق بالمنازعة في حق الملكية أو في مدى هذا الحق أو بشأن حدود العقار أو المطالبة بأحد حقوق الإرتفاق أو المنازعة في أحد الحقوق التي تم الإعلان عنها بناء على مقتضيات الفصل  84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم  بمقتضى القانون 14.07[22]، وإذا تبين له من أن النزاع مرتبط بنقطة يسيرة ولا تتطلب إجراءات مسطرية أخرى قام بتحديد تاريخ الجلسة والإستدعاء إليها أما إذا كان النزاع يتعلق بالمطالبة بحق يتداخل مع العقار المراد تحفيظه وبدا للقاضي المقرر ضرورة تعميق الدراسة لتنوير المسار للمحكمة فإنه يبدأ في إجراءات البحث والإستماع إلى الشهود...[23]
       يمكن للقاضي المقرر كذلك أن یتخذ كل ما ھو ضروریا لتحقیق مھمته، فله الانتقال إلى مكانالعقارالمراد تحفیظه  لیطابق الر سوم،  على أن الانتقال إلى عین المكان یعد عملا اختیاریا موكولاللقاضي المقرر، وعدم إجراءه لا یعیب الحكم ولا یسبب نقضه أمام المحكمة[24] ، غیر أ نه في حالةتقییم الحجج ومطابقتھا على موضوع النزاع، لابد من الوقوف على عین المكان وھو ما أكدته محكمةالنقض عندما قضت بأن  "استبعاد حجة الطاعن بعلة عدم انطبا قھا على العقار موضوع التحفيظ من غير أن تقف المحكمة على عین المكان ینھض خرقا لقواعد المسطرةفي ظھیر 12 غشت 1913المتعلق بالتحفیظ العقاري ویعرض القرار المطعون فيه للنقض" [25].
    ويمكنه أيضا انتداب قاضي للقیام بھذه المھمة، وله الاستعانة بذوي الخبرةوبالمھندسین التابعین لمصلحة التحفیظ إذا اقتضى الأمر، وعلیه استدعاء الأطرافلحضور عملیة المعاینة والإدلاء بآرائھم، ويصحب القاضي معه كاتبا للضبط يتولى تحرير محضر بالعمليات والتصريحات المدلى بها من طرف الشهود والجيران والمعنيين بالأمر، وعلى القاضي المقرر أن يحاول من جديد إقامة صلح بين الأطراف ، فإذا تأتى له ذلك توجب عليه الإشهاد بتصالحهم لإعطاء الصيغة النهائية والتنفيذية لإتفاقهم[26]
        بعد إنھاء جمیع الإجراءات یعمل القاضي المقرر على وضع تقریر نھائي لكلالمراحل التي قطعھا منذ أن وضع الید على القضیة حتى المرحلة الأخیرة، يعتمد عليه أطراف النزاع ليجري التداعي بينهم طبقا للإجراءات، وهو بهذا المعنى يعتبر خيط الأمل بالنسبة للمتنازعين، حيث يحرص القاضي المقرر على أن تتوفر لكل منهم جميع الوسائل المشروعة، دون أن يضيع حق أي من الأطراف لمجرد قلة خبرته، كما يستفسرهم ويقابلهم وينبههم إلى حججهم[27]، ثم يقارن ويستنج قصد وصول المحكمة إلى الحقيقة والكشف عن مدى جدية الحجج المقدمة وترصد صور التحايل في حالة صدوره من أحد الأطراف انطلاقا من تقرير القاضي المقرر والنتائج التي توصل إليها. عندما یرى القاضي أن القضیة قد أصبحت جاھزة یخبر الأطراف بیومالجلسة العلنیة التي ستعرض فیھا وذلك قبل موعدھا بثمانیة أیام على الأقل بعدالتوصل بالاستدعاء [28] ویوجه ھذا الإعلام إلى طالب التحفیظ بوصفه مدعى علیه،وإلى المتعرض أو مجموعة المتعرضین بوصفھم مدعین، مع إمكانیة  حضور الخصومبأنفسھم أو بواسطة وكیل عنھم،  وفي یوم الجلسة  ستعرض القاضي المقرر بإیجازموضوع الدعوى وأطرافھا دون أن یبدي رأیه في القضیة، كما یستمع إلى الأطراف(في حالة ظھور عناصر جدیدة أو وكلائھم)، بعد ذلك یقدم ممثل النیابة العامةمستنتجاته إذا اقتضى الحال، وبعد مرور القضية من كل هذه الإجراءات تكون المحكمةقد وصلت إلى مرحلة المداولة والإعلان حضوریا وعلنیا عن صحة التعرض من عدمه، وعند الإقتضاء الحكم بكيدية أحد الأطراف إذا تبين ذلك من حجج الأطراف ومختلف المقتضيات المتخذة بشأن دراسة القضية  .
يتبين انطلاقا مما سبق أن مسطرة التحفيظ ورغم إطالتها خلال المرحلة القضائية، إلا أن المشرع كان يهدف من خلالها إلى حماية الملكية العقارية وتطهير الملك من كل حق سالف غير مضمن به، وكذا تمكين المحكمة من تحقيق العدالة والتأكد من جدية المطالب كما قدمت لها.
       ثانيا: الإستماع إلى أطراف النزاع عبر الإنتقال إلى عين المكان
    عند دراسة القضية و كما سبق الذكر قد يعمد القاضي المقرر إلى استصدار أمر قضائي باستدعاء الأطراف للحضور إلى مكتبه بهدف الإستماع إليهم في كل ما يراه مناسبا لحل القضية، حيث يتم توضيح النزاع بشكل جلي، وإذا تبين أن بعض الوثائق ناقصة أو يصعب عليه قراءتها، فإنه يأمر المعني بالأمر بتقديم التي تنقص الملف، أو تعويض الوثائق غير الواضحة بالوثائق المفهومة[29]، وإذا عجز المتعرض على إبراز حق التعرض بشأنه وعن تحديده وتدقيقه فإن ذلك يعد قرينة على أنه تعرض كيدي وجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد منه.                                                                
    استنادا الفصل 34 من القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري الجديد الذي ينص على أنه "يمكن للقاضي المقرر على الخصوص إما تلقائيا وإما بطلب من أحد الأطراف أن ينتقل إلى عين العقار موضوع النزاع ليجري بشأنه بحثا أو يطبق عليه الرسوم"،  وأن يقوم بتحديد مصاريف التنقل، والتي تشمل التعويضات الواجب وضعها والمستحقة لفائدة القاضي المقرر أو المنتدب بعد موافقة رئيس المحكمة وكاتب الضبط والمهندس المساح الطبوغرافي المحلف، مع ضرورة تعيين الطرف الملزم بدفع كل هذه التعويضات لدى صندوق المحكمة، ويجب دفعها قبل الانتقال إلى عين المكان من جانب طالب هذه الإجراءات، طبعا ما لم يكن مستفيدا من المساعدة القضائية إذ حينها تصرف من الخزينة العامة للمملكة[30]، وقبل الشروع بالطواف في عين المكان ينبغي إنجاز محضر بوصف البقعة الأرضية وتحديد موضوع النزاع عليها وتحقيق العلامات المرسومة على الخريطة وتضمين الخريطة العوارض المادية  المشاهدة في الأرض، وترسم هذه المشاهدات بقلم الرصاص ثم تكتب نهائيا بالمداد فيما بعد.
        خلال الإستماع تعطى الكلمة عادة للمتعرض الذي يلعب دور المدعي، وتسجل تصريحاته مثلا " تقدم فلان للكلام بإسم المتعرضين مصرحا بما يلي: وقع التعرض لحساب ... يطالب المتعرض بنقطة الإستدلال  رقم... التي آلت إليه بطريق الإرث من مورثه فلان..."، وعندما ينتهي المتعرض من شرح وسائله تعطى الكلمة لطالب التحفيظ للرد على المتعرض دون الدخول في لجاج أو صراع[31]، وعلى الرغم هنا أن المتعرض هو الذي  يقع عليه عبء الإثبات بصفته مدعي، فإن ذلك لا يمنع من استجواب طالب التحفيظ واستفساره عن كل المستندات التي يعتمدها.
في نفس السياق صدر قرار عن محكمة النقض قضى بأنه  " للتأكد من الحدود الفاصلة بين ملكين في إطار مسطرة البت في التعرضات، لابد للمحكمة من إجراء الأبحاث المفيدة بعين المكان، ولا يكفي في ذلك الإستنتاج والقول بأن المتعرض لا يحق له  أن يدعي     إذا رغب القاضي المقرر في إدلاء الشهود الذين يراهم ضروريين في حل النزاع بشهادتهم، فإنه يقوم باستدعائهم إلى مكتبه، إذ أن أقوالهم تفيد في مراقبة أقوال الخصوم والتأكد من صحتها ومقارنة بعضها، أما إذا رغب الأطراف في الإستماع إليهم فإنه ذلك يتم على انفراد، سواء بمحضر الأطراف أو في غيبتهم، دون إمكانية أحد الأطراف  مقاطعة الشاهد أثناء حديثه، أو أن يوجه إليه أسئلة مباشرة ، لكن يجوز للقاضي المقرر تلقائيا أو بطلب من الأطراف، استفسار الشهود عن كل مايراه ملائما لتوضيح شهادته[32]،
    عند انتهاء القاضي المقرر من جميع الإجراءات التي قام بها أثناء  تنقله و بمجرد رجوعه إلى مكتبه يقوم بمراجعة العمل الذي قام به في عين المكان و يصححه و يحرر بذلك محضرا يراعي فيه الدقة و الوضوح، لأنه سيضاف إلى التقرير النهائي الذي  ينبغي إنجازه عندما تنتهي جميع إجراءات البحث و تصبح القضية  جاهزة للحكم[33]، بعد ذلك يقوم القاضي المقرر بتعيين اليوم الذي ستعقد فيه جلسة الحكم ثم يوجه كاتب الضبط إعلاما إلى الأطراف قبل ميعاد انعقاد الجلسة بثمانية أيام على الأقل،وهذا ما نص عليه الفصل 35  من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بالقانون14.07.

ويعتبر حضور الأطراف غير الزامي ما لم يطلب الاستماع  إليهم مرة  أخرى عند الضرورة،كما أن للنيابة العامة أن تقدم مستنتجاتها في قضايا التحفيظ العقاري إن طلبت ذلك إما شفويا أو كتابيا، و قد يقرر القاضي المقرر إحالة الملف عليها من أجل الإدلاء بمستنتجاتها، وقد تكتفي بالتماس تطبيق القانون ومن خلال الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري يتضح أن تبليغ النيابة العامة غير الزامي في قضايا التحفيظ العقاري إلا إذا كان هناك نص يوجب ذلك، بهذا الصدد صددر قرار عن محكمة النقض بأن " لا يقتضي  النص الجديد للفصل 42 من ظهير 12 غشت 1953 المتعلق بالتحفيظ العقاري  تبليغ الملفات إلزاميا إلى النيابة العامة، كما أن الفصل  45 من نفس الظهير لا يوجب عليها أن تقدم في  قضايا التحفيظ ملتمسات كتابية"[34].  
وبانعقاد الجلسة في اليوم المحدد يقوم القاضي المقرر بتلاوة تقريره، حيث يستعرض بإيجاز موضوع الدعوى و أطرافها و النقط التي يجب على المحكمة أن  تفصل فيها دون أن يبدي  رأيه في القضية، إذ أن موقفه يكون موقفا محايدا بالنسبة  للقضية ويعود لقاضي الحكم إبداء الرأي و البث فيها، مع الإشارة إلى أن عدم تلاوة القاضي المقرر لتقريره لا يؤثر على صحة الحكم الابتدائي، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض " لكن حيث أن عدم عرض المقرر للقضية عند افتتاح المناقشات أمام المحكمة الابتدائية باعتباره إجراءا مسطريا لا تأثير له على سلامة  الحكم الابتدائي"[35]  

ويجب أن تقيد المحكمة في حكمها بمجال التعرض في حدود الحق المزعوم ليس إلا، حيث تبت فيه بالشكل  الذي حدده المحافظ، وهو ما أكده قرار محكمة النقض الذي جاء فيه " كن حيث أن قبول التعرض من حيث الشكل موكول لسلطة المحافظة على الأملاك العقارية عملا بالفصل 24 و ما يليه من  ظهير التحفيظ العقاري،و أنه بمقتضى الفصلين 37 و 45 من نفس القانون فإن المحكمة إنما يقتصر دورها على البث في وجود الحق المدعى به من التعرض ونوعه ومحتواه  و مداه، و لذلك  فإن القرار المطعون فيه بتأييده للحكم الابتدائي  القاضي بصحة التعرض يكون قد طبق  هذين الفصلين، و لم يخرق القاعدة المسطرية المستدل  بها و الوسيلة بالتالي غير جديرة بالاعتبار"[36].
                                                   خاتمـــــــــــة
     يتضح من خلال ذلك أن ملف التحفيظ يمر بمجموعة من المراحل والإجراءات التي تؤكد نجاعة القضاء أثناء البت في التعرضات المعروضة،  فعلى الرغم من كل الإنتقادات الموجهة للثغرات التشريعية التي لا تساعد على معاقبة المتعرضين الذين يتعسفون في استعمال حق التعرض، فأنه على الأقل لا يسمح بضياع حقوق طلاب التحفيظ.

_________________________________ 

[1]طلبة الماستر المتخصص في العقار والتعمير: " المسطرة القضائية للتحفيظ العقاري"، .www.marocdroit.com، h15:09 .
[2]  قرارا عدد 30 صادر بتاريخ 13 فبراير 1986، الملف الإداري عدد 7127، أورده عبد العزيز توفيق، "قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ خلال أربعين سنة"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 1999، ص 170-171.
[3] قرار عدد 892 صادر بتاريخ 24/03/2004 ،  ملف مدني عدد 2386/1/1/2002، أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2009/2010، ص:193.194.
[4] قرار محكمة النقض بتاريخ 12/10/1999، عدد 457،ملف مدني عدد 94/3786، أورده عبد العزيز توفيق:  "قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري من 1991 إلى 2002"، مرجع سابق، ص: 43.
 قرار محكمة النقض، بتاريخ 20 مارس 1968، قضاء المجلس الأعلى عدد 1، أكتوبر 1968، ص 24[5]
[6] Léon Depaul,  le livre foncier Marocain, Thèse Reinnes, 1931, p. 171 ، أوردته سعاد عاشور "سلطةالمحافظ في البت في التعرضات"، مغرب القانون، عدد 7 نوفمبر 2018، ص: غير مشار.
 ،  أوردته سعاد عاشور: المرجع نفسه.CAR du 10 novembre 1928. RACA 1929, p. 79  [7]


2 أحمد الباتولي . Le role du conservateur dans l’immatriculation foncière » Mémoire de DES Rabat 1988-1989.P.222
[10] أحمد أجعون: "نظام التحفيظ العقاري في ضوء القانون 14.07"، مجلة الحقوق، سلسلة الأنظمة والمنازعات[10] العقارية، عدد 6 ،مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2012، ص:54.
 يزيد زمور: "مقاربة للمتغير الاجتهادي في قواعد الإثبات في مادة التعرضات على التحفيظ"، مجلة مغرب القانون [11] عدد 23 يوليوز 2011، ص: 4 .
[12] ينص الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 في المقطع الآخير من فقرته الأولى على أنه " يوجه المحافظ للمرة الأخيرة إنذارا للمتعرضين لكي يقدموا للمحافظة داخل أجل ثلاثة أشهر، الوثائق والرسوم المؤيدة لتعرضهم ويشعرهم بأن المحكمة لن تقبل منهم أي رسم أو وثيقة" 
[13] هشام الزيادي: " المرحلة القضائية في مسطرة التحفيظ العقاري المغربي"، عرض مقدم بماستر القانون المدني ،كلية العلوم القانونية والإقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، 2008، ص: 14.
  قرار محكمة النقض ، عدد 431 بتاريخ 06/07/1976، ملف مدني عدد 153/1/1/1994، منشور في مجلة[14] المحاماة عدد 13 أكتوبر 1978، ص:151.
 محمد خيري: " العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي"، مرجع سابق ص: 260 .[15]
[16] قرار محكمة النقض ، بتاريخ 20 مارس 1968، قضاء المجلس الأعلى عدد 1 أكتوبر 68 ، ص: 2، أورد محمد خيري :" العقار وقضايا التحفيظ العقاري" ص: 259 .
[17] يزيد زمور: مرجع سابق ، ص:  12 .
[18] قرار محكمة النقض ، عدد 145 بتاريخ 15/03/1966، منشور بمجلة  قضاء المجلس الأعلى ، عدد 61 يناير 20003، ص: 24  وما بعدها .
[19] قرار محكمة النقض ، عدد 3572 بتاريخ 31 أكتوبر 2007، ملف مدني عدد 4481-1-1-2006، منشوربمجلة القضاء المدني، عدد 1، السنة الأولى، فبراير 2010، ص: 110 .
 ادريس الفاخوري: "نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07"، مرجع سابق، ص:68 .[20]
[21] ينص الفصل 34 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بمقتضى القانون 14.07 " يعين رئيس المحكمة الابتدائية فور توصله بمطلب التحفيظ قاضيا مقررا يكلف بتحضير القضية للحكم واتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لهذه الغاية، ويمكن للقاضي المقرر على الخصوص إما تلقائيا وإما بطلب من أحد الأطراف أن ينتقل إلى عين العقار موضوع النزاع ليجري بشأنه بحثا أو يطبق عليه الرسوم".
[22] ينص الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 على أنه" إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه، من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك. ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات".
 ادريس الفاخوري: " نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07"، مرجع سابق، ص: 69.[23]
[24] الندوة الجھویة الخامسة، "المنازعات العقاریة من خلال اجتھادات المجلس الأعلى، مرجع سابق  ص 174، أورده محمد العربي بنعليلو وأسعد البشري ومن معهما: عرض حول " المنازعات المترتبة عن إيداع مطلب التحفيظ"، تحت إشراف الأستاذة نزهة الخالدي، جامعة عبد المالك السعدي كلي الحقوق القانونية والإقتصادية والإجتماعية، تطوان،  السنة الجامعية 2017/2018،  ص: 20.
 قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 01/04/1998، منشور بمجلة الملف، عدد 02، ص: 121، نقلا عن الندوة [25] الوطنية الخامسة، مرجع سابق، ص: 174.
 [26]تنص الفقرة الرابعة من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري المنسوخ بمقتضى القانون 14.07 على أنه " إذا قبل التعرض أثناء جريان الدعوى من طرف طالب التحفيظ أو المستفيد من حق تم التصريح به طبقا للفصل 84، أو تنازل المتعرض عن تعرضه فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تشهد بذلك القبول أو التنازل وتحيل الملف على المحافظ على الأملاك العقارية الذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأطراف أو تصالحهم.".
 محمد خيري: " قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي"، مرجع سابق، ص: 276.[27]
[28] ينص الفصل 35 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 على أنه " عندما يرى القاضي المقرر أن القضية قد أصبحت جاهزة يخبر الأطراف بيوم الجلسة العلنية التي ستعرض فيها وذلك قبل موعدها بثمانية أيام على الأقل بعد التوصل بالاستدعاء".

مجلة سلسلة دفاتر محكمة النقض، عدد21، ص:129. علي الهلالي: "البث في التعرضات عل مساطر التحفيظط"، [29]
[30] ادريس  الفاخوي ، و دنيا مباركة، "نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم 14.07"، مطبعة الجسور، وجدة، ص: 103. 
 محمد خيري:" قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي"، مرجع سابق ص: 288.[31]
 محمد خيري: " مستجدات التحفيظ العقاري في التشريع المغربي"، مرجع سابق، ص: 292.[32]
 محمد خيري :قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي منشورات المعارف الطبعة الخامسة 2009، ص: 66.[33]
حكم مدني رقم 16 بتاريخ 13 ابريل 1961 أورده، محمد خيري، مرجع سابق، ص: 253.[34]
 قرار محكمة النقض، عدد 478،  بتاريخ 2-15 مدني عدد 3081-1-1-2003 غير منشور أشار إليه، عمر.[35] أزوكار، مرجع سابق،ص: 218.
   قرار محكمة النقض،  عدد 2530، بتاريخ 28-9-2005 ملف مدني عدد 4170-1-1-2003، أورد عمر[36] ازوكار: "مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء قانون 14.07 ومدونة الحقوق العينية "، الطبعة الأولى منشورات دار القضاء بالمغرب ، 2012، ص: 208.

[1] عبد العزيز حضري: "  قواعد نزاعات التحفيظ العقاري ، سلسلة القواعد الموضوعية والشكلية في مساطر المنازعات العقارية "،  مرجع سابق، ص: 15 .
المطلب الأول: 
المطلب الثاني: 

[1] يسير قيشوح: "المقتضيات الزجرية في ظهير التحفيظ العقاري "، منشورات مجلة الحقوق في سلسلة "دراسات قضائية"  الإصدار الخامس، 2016، ص: 18 .
[2] يونس معاط: "الأمن العقاري في ضوء قانون14.07"،  رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول بوجدة، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بسطات،  ص: 64.

تعليقات