القائمة الرئيسية

الصفحات

أسلوب امتثال الأفراد لأحكام القانون PDF


أسلوب امتثال الأفراد لأحكام القانون 
المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف

الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد

الجزء والصفحة : ص254-257







إن امتثال الأفراد لأحكام القواعد القانونية يتحقق وفقا لأحد اسلوبين:
الأول: الامتثال الاختياري للقانون.
الثاني: الامتثال الإجباري للقانون.
وسنعرض لهذين الأسلوبين بشيء من التفصيل.

أولاً:  الامتثال الاختياري للقانون
إن التزام الأفراد بالأحكام والمبادئ التي تتضمنها القواعد القانونية وتطبيقها، قد يتحقق وفقا لافتراض الخضوع والامتثال الاختياري لها، بمعنى تطبيق أحكامها ومبادئها على النحو الذي حددته ورسمته. ويرتكز الامتثال الاختياري للقواعد القانونية ، إلى عدة عوامل، وتتمثل في؛ المصلحة العامة، والمثل العليا، أو العقائد التي يؤمن بها الأفراد، والتي  تكون مجسدة في  القواعد القانونية – والتي تلعب دورها في التأثير على إرادات الأفراد،لتدفعهم إلى الامتثال لتلك  القواعد وتطبيقها دون استعمال القوة المادية أو الإكراه في تطبيقها(1). ويمتثل الأفراد في هذه الحالة إلى الأحكام التي احتوتها القواعد القانونية بشكل اختياري. إما بسبب احتواء تلك القاعدة لمبادئ مستمدة من المثل العليا التي يؤمن بها غالبية الأفراد.

   فقواعد القانون ، توضع أساسا لتحقيق التوازن بين المصالح الفردية والمصلحة العامة . وعليه، فان تعبير تلك القواعد عن مصالح الأفراد– وان بدرجة نسبية – سيكون واقعا جوهريا، يفسر امتثال الأفراد وتطبيقهم قواعد القانون. إما إذا تضمنت القواعد القانونية، أحكاما تعبر عن مصالح معينة، تتناقض وتتعارض بشكل أو بأخر، تناقضا كبيرا مع المصالح الفردية أو المصالح الأساسية لعموم أفراد المجتمع، فعندئذ يكون رد الفعل الاجتماعي قويا (2) بحيث يدفع الأفراد إلى مقاومة تطبيق هذه القواعد، ومحاولة عدم الامتثال لها والامتناع عن أحكامها، إلا إذا وقع ذلك عن طريق الإكراه الذي تمارسه قوى الإرغام المادية الحاكمة في الدولة. وبذلك بنتفي الامتثال الاختياري ، ويحل محله الامتثال الإجباري . والتساؤل الذي يرد في هذا المقام هو: ما هي النتيجة المترتبة على الامتثال الاختياري لأحكام القانون؟ يمكن القول أن امتثال الأفراد لأحكام القواعد القانونية بشكل اختياري وبمحض إرادتهم، ينتج عنه، سيادة أحكام القانون في الوسط الاجتماعي الذي تطبق فيه، حيث يتحقق من جراء ذلك النوع من الامتثال ، التطبيق الكامل ، لمبادئ التي قررتها تلك القواعد.  وبالرغم من تلك النتيجة التي يؤدي إليها الامتثال الاختياري للقانون الا انه ينبغي عدم المبالغة في ذلك الوازع النفسي عند الأفراد، ذلك إن احترام الفرد للقانون ، من تلقاء نفسه، وحبا في طاعته، لا يعد أن يكون أمنية محدودة(3). وأي ذلك، إن طبيعة امتثال الأفراد للقانون لا ترجع إلى حب الأفراد للقانون ، بقدر ما يكون خوفا منه أو حرصا على تفادي الجزاء الذي يترتب على مخالفة أحكامه(4). فمن الواضح- كما يقول الأستاذ ( دابان) إن الخوف هو أكثر العوامل فعالية في إطاعة القواعد القانونية..

     ويمكن القول ان القانون كان وسيظل قانون خوف، لا قانون حب، ومعنى هذا تنفيذه يجب دائما ان يستند إلى القوة. فما يكاد يزول خوف الناس من القانون حتى يزول عنه ما كان له من احترام في نفوسهم. فحينما يزول التنظيم في المجتمع أو يتعطل بسبب ظروف غير عادية، نجد ان الفوضى ستصبح حالة عامة وينتشر الاضطراب(5).  ويترتب على ما تقدم ، إن امتثال الأفراد الاختياري لأحكام القانون لا يمكن أن يقوم ، كأساس أو حد ، لتفسير امتثالهم للقواعد القانونية.

ثانيا : الامتثال الإجباري للقانون
تتصف القاعدة القانونية بأنها قاعدة ملزمة، ولا يجوز مخالفة أحكامها، لأنها تجسد في حقيقتها قوة الإرغام المادية. وبناء عليه، فلن يكون في مقدور الأفراد عدم الامتثال لأحكامها. وإذا حدث أنهم حاولوا ذلك ، سيتعرضون إلى الجزاء القانوني المترتب على مخالفتهم لأحكام تلك القواعد. ومن المفترض أن يمتثل الأفراد لأحكام القواعد القانونية عن إرادة حرة مختارة، فيؤدون واجباتهم ويقومون بتصرفاتهم بما ينسجم مع المبادئ التي تضمنتها القواعد القانونية. 

         كما يفترض أن يمتنع الأفراد عن إتيان الأفعال التي منعها أو جرمها القانون. وبمقتضى هذا الافتراض ، تكون الأرجحية إلى حالة التطبيق الاختياري من قبل الأفراد نتيجة تقبلهم الذاتي لأحكام الواردة في القواعد القانونية. إلا أن الواقع العملي يشير إلى غير ذلك، حيث لا يصح المبالغة في إدخال دور الوازع النفسي في قبول تطبيق الأحكام القانونية. كما لا يصح إنكار دور الإلزام المقرون بالقاعدة القانونية.  فالقواعد القانونية لا يمكن تصورها الا وهي مقرونة بالقهر، وهذه الصفة لا تعني ان هذه القواعد تطبق ، أو يجب ان تطبق في كل حالة واقعية تحكمها، كما يقرر الحكم القانوني الوارد فيها، نعم ان عدم التطبيق يعتبر تحديا للقانون وخروجا عليه. ولكن مع ذلك، فان وقوع المخالفات للإحكام القانونية لا يؤدي إلى التعارض مع صفة القهر في القواعد القانونية، بل هي تؤدي إلى إثارة الحالات التي تباشر فيها الدولة سلطتها في القهر تأكيدا لاحترام القوة الملزمة للقانون(6). والتساؤل الذي يثار في هذا الشأن هو : هل ان الأصل في علاقة الأفراد بالقانون هو الامتثال الإجباري الذي تباشره السلطة العامة لحملهم على الانصياع لأوامره ونواهيه؟

    إن التسليم لفكرة الامتثال بفكرة الامتثال الإجباري بمفردها كأساس يفسر امتثال الأفراد للأحكام القانونية في كل الحالات، من شأنه أن يؤدي إلى بعض النتائج السلبية التي تتعلق بدرجة سيادة القانون. ذلك لأن الاستمرار في تطبيق القواعد القانونية في كل حالة بالالتجاء إلى القوة المادية المتمثلة في القهر الذي يصيب إرادات الأفراد لتدفعهم إلى تنفيذ القانون يؤدي بالتأكيد إلى الفعل المعاكس، التي ترتب نتائج سلبية. ذلك لأن الخضوع المشكوك في أساسه، سيؤدي إلى اتجاه الخاضع إلى البحث عن الوسيلة الكفيلة التي تمكنه من استبعاد ذلك الخضوع(7). كما ان الخضوع المؤسس على القهر فحسب سيتطلب من الحاكمين جهدا لا يتناسب مع النتائج المتحصل عليها.  ويرى الفقيه الفرنسي كاره دمالبر   Carre De Malberg إن النظام الذي يقوم على القوة وحدها غير مقبول من الناحية المنطقية لأن الحاكمين لن تكون لديهم – من ناحية الحكم- القوة الكافية قط لسحق محاولات التمرد والعصيان فحسب. بل ولأن الخضوع المتحصل عليه بالقوة لن تتوافر فيه من حيث الكيف الصفات المتطلبة لسند نظام متصف بالدوام على الأخص(8). فيما يرى الفقيه Georg Burdeau ان الخضوع لأحكام القانون لا يمكن إن يستخلص منطقيا من ظاهرة القوة الأكبر التي يتقلدها الحاكمون، بل إن الخضوع في حاجة إلى أساس آخر يجعله أكثر تقبلا . وهذا الأساس إنما يوجد في تصور صلاحية قاعدة ما للبلوغ إلى خير مرغوب فيه، وإلى خير أفضل من الصالح المشترك الذي هو الفكرة الموجهة في الدولة(9).


________________
1- سمير خيري  توفيق ، مبدأ سيادة القانون ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1978،
2- ينظر د. فتحي عبدالنبي الوحيدي ، ضمانات نفاذ القواعد الدستورية ، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة ، 1982، ص 486.
3- د. عبدالحي حجازي ، الدخل لدراسة العلوم القانونية، مطبوعات جامعة الكويت ، 1972، ص 107.
4- د. سمير عبد سيد تناغو، النظرية العامة للقانون ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1974،ص66.
5-  د. عبد الحي حجازي ، المصدر نفسه، ص 108.
6-  د. سمير عبد السيد تناغو، المصدر السابق، ص66.
7-  د. نعيم عطية، في النظرية العامة للحريات الفردية، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965، ص61.
8- كاره دمالبر، اشار اليه د. نعيم عطية ، المصدر نفسه، ص62.
9- جورج بيردو، المطول في علم السياسة – الجزء الثاني ، 1949، ص278-289، اشار اليه د. نعيم عطية، المصدر السابق، ص62.

تعليقات