القائمة الرئيسية

الصفحات

دور الدليل العلمي في تحقيق العدالة الجنائية " مقال معزز باجتهادات قضائية"




عبدالسلام زكاري

باحث في مجال العلوم الجنائية والأمنية

خريج ماستر المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية

حاصل على أهلية مزاولة مهنة المحاماة





دور الدليل العلمي في تحقيق العدالة الجنائية

" مقال معزز باجتهادات قضائية"





مقدمة
ارتبطت الجریمة كظاهرة اجتماعیة ارتباطا وثیقا بالمجتمعات وعاداتهم وتقالیدهم ومتغيرات الحیاة السیاسیة والاقتصادیة التي یمر بها المجتمع، فالجریمة إذن تتطور وفقا للظروف المتغیرة في المجتمع. وهذا التطور جاء مسایرا لتطور طرق الحصول على الدلیل الذي مر بعدة مراحل تتفق وكل عصر من العصور التي ظهرت فیها وطبیعة نظم الحكم القائمة، بدایة بالمرحلة البدائیة وتتضمن الانتقام والاحتكام بالقوة، ثم جاءت المرحلة الدینیة التي كانت الوسائل المعروفة تنحصر في تحكیم الآلهة والمعتقدات الدینیة وتزايد نفوذ الكهنة ورجال الدین، ثم تلیها المرحلة القانونیة التي قید فیها دور القاضي، وبعد ذلك جاءت مرحلة الاقتناع الشخصي نظرا للانتقادات الموجهة لنظام الأدلة القانونیة الذي یكمن في حریة المحقق وانفراده  في البحث عن الدلیل وتقدیر قیمته ومنح سلطة تقدیریة واسعة للقاضي[1].

أخيرا جاءت المرحلة العلمیة المرتكزة على وسائل البحث الحدیثة وجاءت نظرا لعجز الدلیل الكلاسیكي الذي یعتمد على أسالیب بسیطة في الكشف عن الجریمة كالشهادة والاعتراف نظرا لبساطة تنفیذ السلوك الإجرامي، وتتمثل معالم هذا النظام في استخدام وسائل علمیة حدیثة تسایر وتیرة مواجهة الجریمة المتصاعدة والمتشابكة في العصر الحدیث والتغلب على كل محاولات المتهم في تضلیل العدالة فالمجرم الیوم لایترك أي وسیلة إلا ویستعین بها من أجل الوصول إلى هدفه الإجرامي، مما جعل الوصول للجاني أمر عسیر على السلطات المختصة .
هذا وقد أكد فقهاء العدالة الجنائية وعلماء القانون الجنائي أن الدليل بالنسبة للحق العام أو الخاص هو بمثابة الركيزة الأساسية لتحقيق العدالة الجنائية وهو بمثابة الروح للجسد، به تثبت الحقوق وفصل المنازعات بين الأفراد والجماعات، وبه يتحقق العدل والأمن وتعم الطمأنينة.
 وبدون الأدلة تصبح إجراءات العدالة الجنائية ضربا من ضروب التخمين والدجل الذي كان سائدا في قضاء العصور القديمة. لذا أصبحت وظيفة جمع الأدلة وتأمينها وتسخيرها لاكتشاف الجرائم و تحقیق العدالة علما وفنا و مسئولية جسيمة تتحملها الأجهزة المعنية كالشرطة القضائية، النيابة العامة ، القضاء، المحامين وخبراء الطب الشرعي[2].
هذا وتعتبر الأدلة الجنائية[3] هي كل ما يقود إلى برهان صحة الواقعة أو الوقائع موضوع التحقيق ويتم تصنيف الأدلة الجنائية إلى أربعة أنواع رئيسة هي : الأدلة القانونية، الأدلة الفنية، الأدلة المادية والأدلة القولية. وللأدلة الجنائية قواعدها وموجهاتها وتشريعاتها المتطورة مع تطور الإنسان ومستجدات أساليب ارتكاب الجريمة وأدواتها.
باعتبار أن وسائل البحث التقلیدیة لم تستطع التصدي لمواجهة مرتكبي الجرائم، من هنا تبرر حتمیة الاستعانة بالأسالیب العلمیة، ولكن الإشكال الجوهري الذي نطرحه هو:

ما مدى مشروعیة الأدلة العلمیة في إثبات الجریمة و ما تأثیرها على إقتناع القاضي الزجري؟
هذا وسيتم الإجابة عن هذه الإشكالية في محورين:
⮘          المحور الأول: حجية الدليل العلمي في تحقيق العدالة الجنائية .
⮘          المحور الثاني: أثر الدليل الجنائي في تحقيق العدالة الجنائية .

المحور الأول: حجية الدليل العملي في تحقيق العدالة الجنائية
جاء تطور الجريمة مواكبا لتطور طرق الحصول على الدليل المادي لذلك كان لزاما على مصالح الأمن والقانون أن تواكب التطور، وتلجأ بدورها إلى استغلال واستخدام الأدلة العلمية التي تعرف على أنها تلك الإجراءات العلمية التي تساعد في إثبات الحقيقة عن الأفعال والكشف عن الجريمة ومعرفة مرتكبها والوصول إلى اقتناع القاضي على إدانة هذا الفاعل بطرق مختلفة سواء تعلق بجسم الإنسان أو حیاته الخاصة أو معرفة سلوكه وقت ارتكاب الجريمة دون علمه[4]".
تختلف وسيلة إسخلاص الدليل الجنائي عن وسيلة استخلاص الدليل العلمي فالدليل الجنائي معروف وثابت ومستقر في معناه مند القدم، أما الدليل العلمي[5] فإنه يواكب التطورات الكيميائية والتكنولوجية الحديثة، مثل الإلكترونيات والتخدير وغير ذلك من الوسائل العلمية الحديثة التي لم تكن موجودة في الماضي ، وتـرجـع نشأة الدليل العلمي إلى–شيزاري لمبروزو- مؤسس المدرسة الوضعية الإيطالية، وقد جمع نتائجه وأبحاثه في مؤلف باسم (الإنسان المجرم) واستخلص لمبروزو أوصافا عضوية - من خلال أبحاثه على فحص جثت المئات من  المجرمين والمئات من الأحياء – في المجرم تختلف عن غير المجرم، وذلك بالنسبة لأعضاء الجسم وأيضا وظائف الأعضاء والصفات النفسية.
فالاستعانة بالتطور العلمي أضحى مطلوبا وملزما لتحقيق الأمن القضائي وبالتالي العدالة، ومن هنا أصبح القائمون على البحث وضبط الجرم والمجرم يتهافتون بتتبع التطورات العلمية وإضفائها بالطابع القانوني تحت ظل الشرعية والمشروعة وبالتالي استحداث قواعد جديدة عن طريق مد التطور العلمي إلى القانون بشكل عام والإجرائي بشكل خاص حين يكون ملائما ومنتجا للعصر وهذا ما يمكن أن نسميه بفجر جديد يطفو من خلال استعمال الأدلة العلمية بشكل مستمر ويومي[6].
وسنتطرق في هذا المحور لدور الدليل العلمي وحجيته في الإثبات الجنائي، ثم حدود سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة العلمية.

الفقرة الأولى: دور الدليل العلمي وحجيته في الاثبات الجنائي
للدليل العلمي دور مهم في عملية الإثبات الجنائي[7]، حيث ساعد في إثبات العديد من الجرائم سواء التقليدية كالسرقة، أو التزوير، أو القتل، أو الاغتصاب...، أو الجرائم الحديثة كجرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات[8]، غير أن هذا الدليل العلمي لم يسلم من التشكيك في قدرته على التعبير عن الحقيقة دون تحريف فيه أو تغيير أو حذف، لذلك وضع الفقه الجنائي مجموعة من الشروط الواجب توفرها في الدليل العلمي، حتى يصبح عنوانا للحقيقة ويمكن للقاضي الجنائي من خلاله تكوين قناعته دون تخوف أو توجس منه.
أولا: حجية الدليل العلمي على المستوى التشريعي
يعد الدليل العلمي، ثمرة عمل خبراء وفنيين متخصصين اعتمدوا على النظريات العلمية والوسائل التقنية، عنصرا هاما في البحث والتحقيق الجنائيين، ويساهم في تحديد شخصية مرتكبي الجرائم والانتهاء بتقرير إدانته أو براءته أثناء المحاكمة[9].
بدايتا لابد من الإشارة إلى أن التشريع المغربي ينتمي إلى القوانين ذات الصيغة اللاتينية، لاعتبار أن القانون الفرنسي هو المرجع التاريخي للقانون المغربي، وبالتالي فإن المشرع المغربي شأنه شأن المشرع الفرنسي فقد أخذ بمبدأ حرية الإثبات ماعدا في الأحوال التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك[10]، حيث يمكن للقاضي الجنائي الاعتماد على وسيلة من وسائل الإثبات سواء كانت أدلة علمية أو تقليدية ما دامت قد نوقشت أمامه وكون قناعته منها، وذلك بناء على المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية[11].
باعتبار الدليل العلمي ذو طبيعة تقنية يحتاج إلى المعرفة والخبرة في التعامل معه والإحاطة بكل جوانبه، الأمر الذي لا يتوفر لدى أجهزة العدالة والبحث والتحقيق، لذلك خول لهم المشرع المغربي إمكانية الاستعانة بذوي الاختصاص أو الخبرة لما لهذه الأخيرة من أهمية بارزة في تكوين الاقتناع الصميم للقاضي الجنائي، وذلك انطلاقا من مجموعة من النصوص من قانون المسطرة الجنائية كالمادة 57 الفقرة الرابعة[12]، والمادة 64[13]، وكذلك المادة 47 الفقرة الأخيرة[14]، وكذلك المادة 77 الفقرة الأخيرة[15]، وما جاء في المادة 194 فقرة الأولى[16].

 ثانيا: حجية الدليل العلمي على المستوى القضائي
انطلاقا من دراسة مجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المغربي يمكن استخلاص نتيجتين أساسيتين أولهما أن القضاء الجنائي المغربي يأخذ بالدليل العلمي في الإثبات الجنائي بطريقة مباشرة ضمن حيثياته ويعتمد عليه في الإدانة أو البراءة، وثانيهما أنه يأخذ به كذلك بشكل غير مباشر –وهو المظهر الغالب في الأحكام والقرارات المطلع عليها-استنادا إلى الاعترافات التمهيدية للمتهمين الصادرة أمام الضابطة القضائية عند مواجهتهم بالأدلة العلمية المستخلصة من مسرح الجريمة وبالتالي إدانتهم أو تبرئتهم على أساسها.

1-    الأخذ بالدليل العلمي بشكل مباشر في الأحكام والقرارات القضائية
ويقصد بذلك أن القضاء الجنائي المغربي يأخذ بالدليل العلمي بجميع صوره ويدرجه في أحكامه ضمن حيثياته باعتباره قرينة معززة لباقي وسائل الإثبات، ونستدل على ذلك بمجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم المغربية:
حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش "وحيث إن المحاضر المنجزة من طرف ضابط الشرطة القضائية (...)، فضلا عن اقتناع المحكمة من خلال مناقشة القضية ودراسة ظروفها وملابستها والأدلة الإلكترونية من صور وقرص مدمج"[17].
وجاء في حكم آخر صادر عن ابتدائية قلعة السراغنة "(...) وحيث ثبت للمحكمة من خلال وقائع الملف وخاصة القرص المدمج موضوع الشكاية بأنه يحتوي على اللقطات المصورة للمشتكية(...)"[18].
وجاء في قرار آخر صادر عن استئنافية ورززات "وحيث إن الخبرة فصلت من البعث بالوشاية إلى الضابطة القضائية إذ أن محلول الحمض الجيني أوضح أن اللعاب الذي تم به إغلاق الأظرفة هو للضنين"[19].
وجاء في قرار آخر صادر عن استئنافية الجديدة "وحيث أمر السيد قاضي التحقيق بإجراء خبرة للتأكد مما إذا كان المولود الذي تزعم الضحية من صلب المتهم وابن له وأسندت مهمة القيام بها للمختبر العلمي للدرك الملكي بالرباط، وحيث خلص المختبر المذكور إلى أن الابن (ج) هو من صلب المتهم وابن له وابن الضحية، وحيث تكون الممارسة الجنسية على الضحية من قبل المتهم تبعا لتقرير المختبر المذكور بواسطة التحليل الحمضي ثابتة في حق المتهم"[20].
وجاء في قرار آخر صادر عن استئنافية مراكش "وحيث إن هذه الخبرة المنجزة من طرف مصلحة الدرك الملكي شعبة التخصص الجيني أسفرت بتاريخ (...) على أن المتهم هو الولد البيولوجي للطفل عمر ابن الضحية بنسبة %99.999، وحيث إننا في إطار تحولات علمية مثيرة ودقيقة ولا يمكن للقضاء أن يكون بعيدا عنها وبذلك تكون هناك علاقة ثابتة بين المتهم والضحية"[21].
وجاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة "(...) وحيث إن ما يؤكد صدق هذه الحقيقة هو ما ورد بتقرير الخبرة الجينية المأمور بها من طرف المحكمة (...) مما يثبت أن المشتكية مارست الفساد مع شخص آخر مما تكون معه تصريحاته غير صادقة(...)"[22].
وجاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة "وحيث إن المحكمة ومن خلال دراستها لنتيجة الخبرة الجينية وتصريحات الأطراف فقد ثبت لها أن عناصر جناية الاغتصاب غير قائمة(...)"[23].

2-   الأخذ بالدليل العلمي بشكل غير مباشر في الأحكام والقرارات القضائية
يقصد بذلك أن القضاء المغربي غالبا ما يأخذ بالدليل العلمي بشكل غير مباشر في تعليله للأحكام القضائية أي استنادا إلى التصريحات التمهيدية للمتهم المضمنة في محاضر الضابطة القضائية عند مجابهته بالأدلة العلمية المستخلصة من مسرح الجريمة والتي إما أن يؤكدها قضائيا أو ينكرها للتملص من المسؤولية الجنائية.
نستدل على ذلك بمجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عن قضاءنا المغربي.
جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء "حيث استمع للضنين تمهيديا أمام الضابطة القضائية فصرح أنه يقيم بالمغرب بطريقة غير شرعية وأن الصور الخليعة التي التقطت بهاتفه النقال فهي مأخوذة من الأنترنت معترفا بالمنسوب إليه، وحيث إن محاضر الضابطة القضائية يوثق بمضمنها ما لم يثبت ما يخالفها(...)"[24].

حيث جاء في حكم آخر صادر عن نفس المحكمة "وحيث إنه فيما يخص جنحة تقديم بشكل غير علني صور خليعة منافية للآداب والأخلاق فإنه بالرجوع إلى محضر الضابطة القضائية فإنه لا يوجد بالموقع الإلكتروني الخاص بالضنين صور خليعة أو فيديو يخص المشتكية التي ادعت أنه قام بتسجيلها أثناء إزالتها لملابسها مما اقتنعت معه المحكمة بعدم مؤاخذة الضنين من أجلها وبالتالي التصريح ببراءته منها"[25].
هذا وقد جاء في قرار آخر صادر عن استئنافية مراكش بخصوص عمليات النصب والسلب وتخريب محلات تجارية مختلفة وتعيب أشياء مخصصة للمنفعة العامة في إطار جماعات باستعمال القوة، حيث تم إلقاء القبض عليهم بناء على الصور الفتوغرافية التي التقطت لهم بواسطة كاميرات المراقبة الخاصة بهذه المحلات "وحيث إن إنكارهم للمنسوب إليهم خلال المرحلة القضائية تفنده اعترافاتهم التمهيدية المفصلة والمعززة بحالة التلبس (...)"[26].
في حين جاء في قرار صادر عن نفس المحكمة "وحيث إن اعترافه هذا يؤكد كونه على علم بالرقم السري للعلبة الإلكترونية للضحية مما أتاح له فرصة فتح حسابها الخاص بصفحة الفيس بوك(...) وحيث إن الأفعال التي قام بها المتهم (...) تشكل لا محالة جريمة معلوماتية (...)"[27].
بينما جاء في قرار أخر صادر عن نفس المحكمة "(...) وحيث أنه عند استنطاقه قضائيا تراجع عن اعترافه، غير أن تراجعه لا يجديه في شيء أمام اعتراف تمهيدي مفصل ومعزز باعتراف صادر أمام جهة قضائية ألا وهي النيابة العامة، فضلا عن معاينة الضابطة القضائية للقرص المدمج الذي يظهر فيه جليا المتهم وهو يلج الغرفة ويبحث عن أغراضه لمدة تزيد عن 10 دقائق ويظهر فيه المتهم وهو يدس ظرفا أبيض اللون بجيب سرواله الأيمن وعند عرض ذلك عليه أقر به واعترف بالمنسوب إليه"[28] .

الفقرة الثانية: حدود سلطة القاضي الزجري في تقدير الأدلة
يعتبر الإثبات في المادة  الجنائية من أهم الأعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة الجنائية برمتها، إذ بواسطة الإثبات تتحصل القناعة لدى المحكمة ''من خلا الأدلة التي تتوفر عليها المحكمة من جراء الدعوى العمومية'' على حصول واقعة مجرمة، ومن هذه الزاوية تبتدئ أهمية نظام الإثبات بل خطورته البالغة، على المتابع بخرق القانون الجنائي أمام القضاء، والذي يعتبر هذا الأخير بمجرد وضع القضية بين يديه عليه العمل بكل نزاهة وحياد وتجرد على الوصول إلى الحقيقة فيقرر بعدها بأن الواقعة المتابع من أجلها قد حصلت بالفعل وأن التهمة ثبتت في حقه أو العكس من ذلك ليأتي للمحكمة تبعا لما اقتنعت به، إصدار حكمها في موضوع الدعوى، إما بالإدانة أو البراءة أو الإعفاء، هذا ويقوم الإثبات الجنائي على مبدأين أساسيين: أولهما حرية الإثبات وثانيهما حرية الاقتناع، ويترتب على ذلك، أن القاضي الجنائي يعتمد على ما يشاء من الأدلة في إصدار حكمه، ويتخذ قراره بناء على الدليل الذي يعتبره منتجا.
تعتبر سلطة القاضي الجنائي الدعامة الأساسية في تقدير الأدلة العلمية، إلا أنه كما سبقت الإشارة إلى ذلك ليست مطلقة[29]، إذ تحكمها ضوابط وقواعد، وعليه فالحد من السلطة التقديرية يشكل استثناءات من مبدأ حرية الاقتناع وفق ما نصت عليه مقتضيات المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية[30].

أولا: رقابة محكمة النقض على تقدير الدليل العلمي
تتطلب السلطة التقديرية للقاضي الجنائي بشكل عام والدليل العلمي بشكل خاص، بيان الأسباب التي اعتمد عليها في إصدار الحكم، وتبيان لماذا قدّر الوقائع وأدلة الإثبات وفق منطوق الحكم الصادر عنه[31].
فعندما يفصل القاضي في نزاع معين، يكون ملزما بتبيان طبيعة الأدلة التي اعتمد عليها في إصدار الحكم، وتجتمع الآراء الفقهية على أنه كلما فصلت المحكمة في موضوع الدعوى الجنائية إلا ويتعين عليها أن تستعرض وتبين أدلة الإثبات التي استمدت منها عقيدتها سواء حكمت بالبراءة أو الإدانة، وفي هذا النطاق يرى بعض الفقه أن "صدور الحكم يقتضي بيان المبررات التي استند عليها القاضي في بناء حكمه، وضرورة أن تكون هذه المبررات سليمة ومقنعة، إذ عن طريق سلامة التعليل يستطيع قاضي النقض أن يراقب مدى احترام قاضي الموضوع للضوابط المسطرية"[32].
وتخول كذلك لمحكمة النقض عن طريق الرقابة القضائية، صلاحية التدخل في أمور موضوعية يستقل تقديرها في الأصل لقاضي الموضوع، فإذا كان هذا الأخير ملزما ببيان مضمون الأدلة التي اعتمد عليها في إصدار حكمه، فإن هذا لا يعني إعطاء لمحكمة النقض حق مناقشة ومحاسبة قاضي الموضوع بشأن النهج الذي اعتمد عليه في تكوين قناعته، وإنما حتى يكون الحكم قائما على أساس قانوني ومعللا تعليلا سليما وكافيا، يجب أن يبين القاضي وقائع موضوع الدعوى العمومية مع توضيح الأدلة المعتمدة عليها لتكوين عقيدته _وعليه فإن سلطة المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا باعتبارها جهة الطعن بالنقض تنصرف إلى مراقبة صحة تطبيق القانون وسلامة الأدلة المعتمد عليها[33]_.
رقابة جهة الطعن بالنقض ليست رقابة على رأي القاضي وإنما هي رقابة على طريقة تكوين الرأي، وفي هذا الإطار فإن أحكام محكمة النقض غير مستقرة على مبدأ واضح بشأن الرقابة على تقدير الأدلة، وهنا يطرح تساؤل عن الوسائل التي تراقب بها محكمة النقض هذه السلطة التقديرية؟

ثانيا: تعليل الأحكام
يتمتع القاضي الجنائي بسلطة واسعة في تقدير الأدلة العلمية تتجلى في الصلاحية الممنوحة له في وزن كل دليل على حدة، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فله أن يقبل جميع الأدلة المقدمة من قبل أطراف الدعوى كما تخول له صلاحية استبعاد أي دليل لا يرتاح إليه ضميره في تكوين قناعته الوجدانية.
القانون لم يقيد القاضي الجنائي بأدلة معينة أو محددة، بقدرما خوّل له وفق مبدأ حرية الإثبات صلاحية اعتماد أي دليل يرتاح إليه في تكوين قناعته الشخصية، ووزن الأدلة حسب ظروف وملابسات ارتكاب الفعل الجرمي، لكن بالمقابل يكون القاضي الجنائي ملزما بتعليل الأحكام والقرارات الصادرة عنه حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على تقدير الدليل العلمي.
يقصد بتعليل الأحكام الوسيلة التي تمكن القاضي الجنائي في حدود اختصاصه من ممارسة الرقابة على حسن تطبيق القانون، ومدى احترام المنطق القضائي السليم[34].
فالأسباب القانونية التي تدعو القاضي الجنائي إلى تعليل الأحكام متعددة، فالقاضي الجنائي يكون ملزما بالفصل في النزاع المعروض عليه، كما نصت عليه المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية، كما ثمة الإشارة إليها سلفا.
وفي هذا الإطار نشاطر رأي أحمد فتحي سرور، الذي اعتبر تسبيب الأحكام المدخل الأساسي لمعرفة مدى احترام هيئة المحكمة لكافة ضمانات المحاكمة العادلة، باعتباره يعكس مدى إتباع القواعد والإجراءات المنصوص عليها قانونا[35].
وعليه إذا كانت المحكمة قد طبقت القانون واتبعت المنطق القانوني السليم، فهذا الإجراء يفرض عليها تعليل القرار الذي اتخذته، فمن خلال تسبيب الحكم تتضح معالم العيوب التي استندت عليها المحكمة في تقدير حكمها.
يجب على القاضي أن يستمد في بناء قناعته على دليل قضائي، يتفق مع منطق العقل والتقارير العلمية الصادرة عن مراكز الشرطة العلمية والخبراء القضائيين، ويكون على عاتقه سرد الأدلة التي اعتمد عليها وبيان التعليل الذي وصل إليه، وألا يكون هناك تناقض في تقدير الدليل العلمي، ومن قبيل ذلك أن ترد في حيثيات الحكم مثلا العبارات التالي: "... أن التهمة ثابتة في حق المتهم " أو "إن المحكمة اقتنعت بثبوت التهمة في حق المتهم انطلاقا من تقرير مختبر الشرطة العلمية أو الخبرة الطبية" دون بيان مضمون هذه الأدلة وعلاقتها بالفعل الجرمي.

أكدت محكمة النقض على هذا المعنى في أكثر من مناسبة حيث ورد في أحد قراراتها ما يلي: "التناقض الموجب للنقض هو الذي يرد في تعليلات الحكم أو بين هذه التعليلات ومنطوق القرار"[36].
وعليه فتسبيب الأحكام يكتسي أهمية كبرى في بيان الأساس القانوني والواقعي الذي اعتمد عليه القاضي في بيان حكمه، وفي هذا الصدد جاء في أحد الأحكام الصادرة عن محكمة النقض المصرية ما يلي: "إن تسبيب الأحكام من أعظم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة، إذ هو مظهر قيامهم بما عليهم من واجب تدقيق البحث"[37].
يلعب التعليل دورا مهما في مجال الرقابة التي تمارسها محكمة النقض، من أجل تدعيم الحكم ومنحه قوة ثبوتية، والمتمثلة في حجية الشيء المقضي به[38]، كما يعتبر وسيلة فعالة لرقابة أعمال محاكم الموضوع في تقديرها للأدلة العلمية، ومعرفة الحيثيات التي اعتمدت عليها في قبول أو استبعاد دليل علمي ما.
 هذا دون إغفال الدور الكبير الذي يلعبه التعليل في تحقيق التوازن القانوني والأخلاقي في المجتمع، باعتبار الحكم وسيلة فعالة لإقناع أطراف الدعوى، وبالتالي تحقيق العدالة الجنائية المنشودة.

المحور الثاني: أثر الدليل الجنائي في تحقيق العدالة الجنائية
إذا كان للأدلة العلمية دور فعال في الكشف عن الحقيقة، وكانت هذه الأخيرة شرطا أساسيا لقيام العدالة الجنائية، فإن البحث عنها يجب أن يحاط بسياج من قيود الشرعية الإجرائية التي تشكل خطوة هامة نحو حماية حقوق الإنسان وحرياته، بعبارة أخرى يجب أن يكون القانون هو المصدر الوحيد لهذه الحقيقة.
يعتبر الدليل العلمي ثمرة استعمال الوسائل العلمية، وإذا كانت هذه الأخيرة لا تثير إشكالا فيما يتعلق بقيمتها العلمية وصدق نتائجها، إلا أن الإشكال تثيره بشأن مشروعية استخدامها في حق أشخاص يفترض في الأصل براءتهم، لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته[39] بحكم قضائي وعليه فإن هذه الأدلة قد تشكل مساسا بخصوصية وأسرار الأفراد وكذا بسلامة جسمهم إذا تمت في غير إطارها الشرعي.
وعليه سنتطرق من خلال هذا المحور لأثار الدليل العلمي في تحقيق العدالة الجنائية، للحديث عن الدليل العلمي وعلاقته بحقوق دفاع المتهم، ثمالحديث عن الدليل العلمي وحق المجتمع في العقاب .

الفقرة الأولى: الدليل العلمي وحقوق دفاع المتهم
سنتولى في هذه الفقرة دراسة بعض أهم حقوق دفاع المتهم التي يواجه بها أجهزة البحث والتحقيق عند استخلاص الدليل العلمي وهم الحق في السلامة الجسدية (أولا)، والحق في حرمة الحياة الخاصة (ثانيا).
أولا: الحق في السلامة الجسدية
الدليل العلمي قد يمس أحيانا بالسلامة الجسدية للمشتبه فيه أو للمتهم، وذلك عن طريق أخذ عينة من جسده كما هو الحال بالنسبة للبصمة الوراثية وذلك قصد مقارنتها بعينات أخرى سبق استخلاصها من مسرح الجريمة، وذلك بغية الوقوف على مدى نسبة الجريمة للمتهم من عدمه[40].
غير أن اللجوء إلى هذه التقنية العلمية تقتضي تحليل الحامض النووي للمشتبه فيه والموجود في خلية من خلايا جسده سواء أكان دما أو سائلا منويا أو شعرا أو عظاما، وهو ما يشكل اعتداء على حق الإنسان في السلامة الجسدية والذي يجد له أساس في الاتفاقيات الدولية وكذا القوانين الوضعية.
نصت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على وجوب احترام هذا الحق، كالمادة الثالثة[41] من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر يوم 10 دجنبر 1948 والمادة التاسعة[42] من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر يوم 16 دجنير 1966، اللتان جاءتا بنفس الصياغة.
كذلك القوانين الوضعية التي أكدت على احترام هذا الحق نجد القانون الجنائي المغربي والذي جرم الاعتداء على السلامة الجسدية للأشخاص بمقتضى العديد من الفصول، كالفصل 400 و401 و402 من قانون الجنائي[43].
وأمام تزايد العمل بالأدلة العلمية وخاصة دليل البصمة الوراثية في الإثبات الجنائي باعتباره دليل مصدره الجسم البشري، يثار إشكال التعارض بين الموازنة بين مصلحة المجتمع في الوصول إلى الحقيقة وحق الشخص في ضمان سلامته الجسدية.
ثانيا: الحق في حرمة الحياة الخاصة
يعد هذا الحق في الخصوصية من الحقوق العريقة والتي حظيت بتنظيم تشريعي على مستوى الاتفاقيات الدولية وكذا القوانين الوضعية.
بالنسبة للاتفاقيات الدولية فقد كرست هي الأخرى حرمة الحياة الخاصة من خلال المادة 12[44] من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والمادة 17[45] من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 واللتان جاءتا بنفس الصياغة.
كذلك الشأن بالنسبة للقوانين الوضعية والتي أكدت هي الأخرى على احترام هذا الحق من خلال مجموعة من النصوص كالفقرة الأولى من المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية[46]. أيضا بمقتضى قانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي[47] والذي جرم مظاهر الاعتداء على الحياة الخاصة للمواطنين وعلى معلوماتهم المخزنة إلكترونيا وعلى مراسلاتهم الشخصية من الاعتداءات غير المشروعة، والتي قد يؤدي إعادة استعمالها وتداولها بشكل غير مشروع إلى الإضرار بأصحابها[48].
أمام تزايد العمل بالأدلة الإلكترونية في الإثبات الجنائي باعتبارها أدلة مصدرها الحاسب الآلي والأجهزة الإلكترونية عموما، طرح إشكال التعارض بين الموازنة بين مصلحة المجتمع في الوصول إلى الحقيقة، وحق البحث والتحقيق في إجراء التفتيشات والتحريات اللازمة، وبين حق المعني بالأمر في عدم إنتهاك حرمة حياته الخاصة، وذلك بعدم إطلاع الغير على المعلومات الخاصة به المخزنة إلكترونيا في حاسبه الآلي الشخصي، والتي لا يرغب في الكشف عنها، ويطالب بحمايتها من العبث وإساءة استعمالها من طرف الغير.
الفقرة الثانية: الدليل العلمي وحق المجتمع في العقاب
من خلال هذه الفقرة سنتولى دراسة بعض الإشكالات المثارة أمام أجهزة البحث والتحقيق في استخلاص الدليل العلمي (أولا) وتلك المثارة أمام القضاء في الاستناد إليه (ثانيا).
أولا: جدلية استخلاص الدليل العلمي قبل المحاكمة
خول المشرع المغربي لأجهزة البحث والتحقيق إمكانية استخلاص الأدلة العلمية من مسرح الجريمة عن طريق الاستعانة بذوي الخبرة في هذا المجال، وذلك بمقتضى مجموعة من النصوص القانونية –والتي سبق التطرق إليها عند دراسة حجية الدليل العلمي في الإثبات الجنائي المغربي على المستوى التشريعي-كالمادة 57 و47 و64 و77 و194 من قانون المسطرة الجنائية.
غير أن الإشكال الذي يثار هنا يتمثل في الحالة التي يمتنع فيها المشتبه فيه أو المتهم عن تقديم المساعدة لأجهزة البحث والتحقيق لاستخلاص الدليل العلمي، ولئن كان هذا الإشكال غير مطروح بحدة ويمكن تجاوزه بالنسبة لاستخلاص الأدلة الإلكترونية، لكون المشرع المغربي قد خول للضابطة القضائية أخذ الإذن من النيابة العامة للتفتيش وحجز ما يفيد العدالة وذلك عند رفض المعني بالأمر السماح لهم بذلك وفقا للمادة 79 من قانون المسطرة الجنائية[49]، فإن الأمر يدق ويطرق الصعوبة بالنسبة لدليل البصمة الوراثية عند رفض المعني بالأمر إعطاء عينة من جسده لمقارنتها بالعينة المتحصل عليها من مسرح الجريمة.

ثانيا: القيمة الإثباتية للدليل العلمي أثناء المحاكمة
لقد خول المشرع المغربي للقضاء الجنائي المغربي إمكانية الاستعانة بالأدلة العلمية في الإثبات الجنائي من خلال العديد من النصوص القانونية، قد سبق الإشارة إليها كذلك عند دراسة حجية الدليل العلمي في الإثبات الجنائي على المستوى التشريعي، كالمادة 286 و194 و108 من قانون المسطرة الجنائية (كما سبق الإشارة لهذه المواد في صلب موضوع هذا البحث)، كذلك على المستوى القضائي.
غير أن الإشكال الذي يثار هنا يتعلق بالحالة التي يعرض فيها على القضاء الجنائي المغربي الدليل العلمي الغير المعزز بأي دليل آخر، فهل سيأخذ به القضاء الجنائي المغربي أم سيطرحه جانبا؟

نعتقد أن الأمر لا يطرح الكثير من التعقيد بالنسبة للبصمة الوراثية باعتبارها من الأدلة الناطقة عن الإنسان والتي تصل نسبة تعبيرها عن الحقيقة إلى نسبة % 99.99، وبالتالي لا يمكن ضحدها إلا بدليل آخر من جنسها أي بخبرة جينية مضادة تفند الأولى وتؤكد براءة المتهم.
على النقيض من ذلك فإن الأمر يطرح الكثير من التعقيدات والصعوبة بالنسبة للأدلة الإلكترونية عندما تكون غير معززة بأي دليل آخر يعضضها، ومجادلة المتهم في صحتها، فإنه وفي اعتقادنا المتواضع، فإن الدور الحاسم سيكون للخبرة في تحديد صحة ومصداقية هذا الدليل الإلكتروني (الدليل العلمي) من عدمه، ولن يبقى للقاضي الجنائي في تقدير ملابسات وظروف الحصول عليه.

 في مثل هذا الشأن صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء جاء فيه: "وتحسبا من المحكمة بأنها لا تملك السلطة التقديرية بالنسبة لما تتمتع به الخبرات الموجودة بالملف من قوة استدلالية علمية، فإن المحكمة على النقيض من ذلك تملك السلطة التقديرية بالنسبة للظروف والملابسات التي أحاطت بهذه الخبرات من الناحية العملية لا العلمية(...)"[50].
 يتضح بأن القاضي الجنائي له كامل الحرية في تقدير الدليل العلمي استنادا إلى حرية الإثبات والإقناع، وبالتالي الأخذ به من عدمه، غير أن هذه الحرية ليست مطلقة إذ يجب عليه أن يستمد اقتناعه من أدلة علمية متحصل عليها بطريقة مشروعة وتمت مناقشتها من طرف الخصوم، وأن تبلغ درجة الجزم واليقين لا مجرد الشك والتخمين، هذا فضلا عن إلزامية القاضي الجنائي تعليل حكمه، وفي هذا الشأن صدر قرار عن محكمة النقض جاء فيه "يجب على المحكمة أن تبرز في قضاءها الأدلة التي اعتمدتها، فلا يكفي القول بأن المتهمين أنكروا الأفعال المنسوبة إليهم، وأن المحكمة تتوفر على الأدلة والقرائن الكافية..." قرار للمجلس الأعلى -محكمة النقض حاليا- ع 342، صادر بتاريخ 26/1/1978، ملف جنائي.

خاتمة
الدليل مهما تقدمت طرقه وعلت قيمته العلمية أو الفنية في الإثبات، فإنه يحتاج دائما وغالبا إلى قاضي يتمتع بسلطة تقديرية، لأن هذه السلطة تكون لازمة لتنقية الدليل من الغلط أو الخطأ أو الغش، وهي تكون ضرورية أيضا لكي تجعل الحقيقة العلمية حقيقة قضائية.
وفي هذا السياق جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 12 يوليوز 1994: "وتحسسا من المحكمة بأنه لا تملك السلطة التقديرية بالنسبة لما تتمتع به الخبرة الموجودة بالملف من قوة استدلالية عملية، فإن المحكمة على نقيض من ذلك السلطة التقديرية بالنسبة للظروف والملابسات التي أحاطت بهذه الخبرة من الناحية العملية والعلمية..."[51].  


وبالتالي فإن البحث عن الحقيقة الجنائية، إنما تبنى على الأدلة. ولما كان الحكم الجنائي هو ثمرة الإجراءات الجنائية، فإن الحقيقة الواقعية هي غاية الدعوى الجنائية، ولذلك كان لابد أن يتشكل قوامها على النحو الذي يضمن توافر الظروف الموضوعية التي تساعد على إظهار تلك الحقيقة، ولاشك في أن الحقيقة الواقعية لا يمكن أن تنكشف من تلقاء نفسها، وإنما هي ثمرة مجهود، وبحث شاق، ومتابعة فكرية، وانتقاء ذهني كما يقول الفلاسفة في عبارة تهكمية "إن الحقيقة لا تنتظر من يكتشفها كما انتظرت أمريكا كريستوف كولومبس، لأنها قد تكون مبعثرة في أعماق البئر، فمن يجمعها بكل المشقة والجهد هو الذي يكتشفها".






[1]  ظهير شريف رقم 1.02.255  صادر في 25 من رجب 1423 ( 3 أكتوبر 2002 ) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1424 (30 يناير2003).

المادة 286 يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقاً للبند 8 من المادة 365 الآتية بعده. إذا ارتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته.
[2]  المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، المجلد 17، العدد 33، الصفحة 91.
[3]  مفهوم الدليل الجنائي
  • أولا التعريف اللغوي: يقصد به المرشد أو ما يستدل به، ويقال أدل، وفلانا يدل فلان، والدليل يعني مرشد والدليل فهو مفرد في حين جمع الدليل فهو أدلة.
  • ثانيا الدليل في الاصطلاح الشرعي: يستخدم (الدليل) في الاصطلاح الشرعي بمعنى البينة، والتي تعني بدورها الحجة والبرهان، فمن المتفق عليه لدى الفقهاء أن البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، وإن كان هناك رأيان في الفقه الإسلامي في معنى البينة، الأول يعطي للبينة معنا عاما يندرج تحته كل دليل يبين الحق ويظهره والثاني، يحدد لكلمة البينة معنى خاصا ويقتصر في شهادة الشهود.''ابراهيم الشخ أحمد: طرق الإثبات الشرعية، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، العدد الأول، القاهرة، مارس 1943، ص1.''
  • ثالثا الدليل في الاصطلاح العام: أما معناه في الاصطلاح العام فهو «ما يلزم من العلم به علم شيء أخر" وغايته أن يتوصل العقل إلى التصديق اليقيني بما كان يشكك في صحته أو ما يمكن التوصل به إلى معرفة الحقيقة". د. أبو القاسم أحمد: الدليل الجنائي المادي ودوره في إثبات جرائم الحدود والقصاص، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، الجزء الأول، ص177.
  • رابعا الدليل في الاصطلاح القانوني : أما في الاصطلاح القانوني، فيقصد به (الدليل) الحجة والبرهان، وهو ما يستدل به على صحة الدعوى، وهذا المعنى القانوني كان محل اجتهاد فقهاء القانون، حيث تناوله كل منهم من زاوية تحليلية ومنهجية خاصة بطبيعة المنهج الذي يلتزم في بحثه، وذلك لأهمية الصياغة المنهجية للتعريفات، ولذلك تعددت تعريفات رجال القانون وتباينت وجهات نظرهم في معنى الدليل، فقد عرفه الفقيه الإيطالي "جولياني" بأنه المجادلة والنقاش الذي كانت البلاغة والسفسطة تلعب دورا كبيرا لبيان صحة أو عدم صحة أمر ما في منازعة أو خصومة ما. د. حسن أبو الذهب، مشروعية الأدلة العلمية في الإثبات الجنائي ومبادئ حقوق الإنسان، الجزء الأول، الطبعة الأولى، سنة 2018، ص95.
[4] وتنوعت الوسائل العلمية إلى أدلة بيولوجية مستخلصة من جسم الإنسان، وتتجسد في علم البصمات التي لها دور كبیر في معرفة شخصية الجاني، وعلم التحليل الذي أمكن بفضله معرفة نوع البقع التي توجد في مسرح الجريمة، ومدى نسبتها للجاني، وعلم الطب الشرعي الذي أزال الغموض الذي اكتنف الجريمة لمدة طويلة، كما رفع اللبس عن الإصابات التي تحدث للمجني علیه أو المتهم.
[5]_ إن للأدلة العلمية خصائص تختلف عن الخصائص الخاصة بالدليل الجنائي بصفة عامة، فالدليل الجنائي يشمل خصائص أو عناصر مختلف نتيجة عملية إجرائية حددها القانون، فهي مسألة إجرائية وليست مسألة فنية، بينما الدليل العلمي يشمل عنصر من العناصر التي يشملها الدليل الجنائي، هذا العنصر هو مسألة فنية وليست إجرائية. فالدليل العلمي هو مسألة تقريرية عن حالة معينة ضمن حالات الدليل الجنائي قد تنتهي بأن القاضي يسقط هذا الدليل من حساباته وفي تكوين قناعته وقد يكون الدليل العلمي في فحواه يسقط كافة الدلائل الجنائية من قناعة القاضي ويعقد بالدليل العلمي المؤيد أو المعارض لعنصر الدليل الجنائي المطلوب فيه الدليل العلمي. والدليل العلمي قد يتحصل من إجراءات الاستدلال كما قد يتحصل من إجراء التحقيق ولكل الجهتين سلطة الاستدلال وسلطة التحقيق الحق في الطلب من الجهة المختصة بالدليل العلمي تقريرا عن حالة معينة كما أن لجهة الاستدلال أن تلتقط من الصور بناءا على أمر قضائي ما يمكن الاعتماد عليه كدليل علمي.
[6]_ إدريس النوازلي، الإثبات بالبصمات بين العلم والإعمال (بصمة العين نموذجا)، السنة 2016، ص79.
[7]_ يعد الإثبات الأساس الذي تقوم عليه قواعد الإجراءات الجنائية منذ لحظة وقوع الجريمة إلى حين صدور الحكم فيها من طرف السلطة القضائية بموجب السلطات المنوحة، ويقصد به في المادة الجنائية النتيجة التي تحقق استعمال وسائله وطرقه للوصول إلى الدليل الذي يستعين به القاضي لاستخلاص حقيقة الواقعة المعروضة عليه لتطبيق حكم القانون عليها، ويعني ذلك أن موضوع الإثبات هو الواقع وليس القانون لإقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها أو نفيها إلى المتهم، نجمي جمال: إثبات الجريمة على ضوء الاجتهاد القضائي، الطبعة الأولى، دار هومة الجزائر، 2011، ص 4.
[8]_ القانون رقم 07.03 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.03.197 بتاريخ 11/11/2003(الجريدة الرسمية عدد 5171 ب تاريخ22/12/2003).
[9]_PREVOST(Lionel): Enquête Criminelle، ed.Modullo,2000، p64.
[10]_ المادة 288 من ق.م.ج:  "إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة".
[11]_ يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقاً للبند 8 من المادة 365 الآتية بعدهإذا ارتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته.
[12]_ "يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة، وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك. كما يمكنه أن يطلب إجراء خبرات عليها وعلى بقية أدوات الجريمة والأشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه فيهم بارتكابها"،
[13] _" إذا تعين القيام بمعاينات لا تقبل التأخير، فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأي شخص مؤهل لذلك، على أن يعطي رأيه بما يمليه عليه شرفه وضميره"،
[14] _"يمكن لوكيل الملك لضرورة البحث إذا عرضت عليه مسألة فنية أن يستعين بأهل الخبرة والمعرفة. كما يمكنه أن يأمر بإجراء خبرة لتحديد فصيلة البصمات الجينية للأشخاص المشتبه فيهم الذين توجد قرائن على تورطهم في ارتكاب إحدى الجرائم"،
[15]_"يجوز لممثل النيابة العامة أيضا أن ينتدب أهل الخبرة للكشف عن أسباب الوفاة"،
[16] _"يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت مسألة تقنية، أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف".
[17]- حكم ابتدائي عدد4، صادر بتاريخ 2/1/2012، في ملف جنحي تلبسي ع 3823/20103/11، عن المحكمة الابتدائية بمراكش، حكم غير منشور.
[18]-  حكم ابتدائي، صادر بتاريخ 9/12/2010، في ملف جنحي رقم 400/2010، عن المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة، حكم غير منشور.
[19]- قرار استئنافي، صادر بتاريخ 31/7/2003، في ملف جنحي رقم تلبسي رقم 963/03، عن محكمة الاستئناف بورزازات، قرار غير منشور.
[20]- قرار استئنافي ع 302/5، صادر بتاريخ 15/12/2005، في ملف رقم 236/05، عن محكمة الاستئناف بالجديدة، غرفة الجنايات الاستئنافية، منشور بمجلة الملف ع8، 2006، ص: 343.
[21]- قرار استئنافي ع414، صادر بتاريخ 28/09/2006، في ملف جنائي ع 403/05، عن محكمة الاستئناف بمراكش، منشور بمجلة محاكم مراكش ع 1، 2007، ص: 207.
[22]- قرار ابتدائي ع 525، صادر بتاريخ 7/7/2011، في ملف جنائي ع 337/2011، عن محكمة الاستئناف بمراكش، غرفة الجنايات الابتدائية، قرار غير منشور.
[23]- قرار ابتدائي ع 978، صادر بتاريخ 22/10/2013، في ملف جنائي ع 945/12، عن محكمة الاستئناف بمراكش، غرفة الجنايات الابتدائية، قرار غير منشور.
[24]- حكم ابتدائي ع 9104، صادر بتاريخ 2/11/2011، في ملف جنحي تلبسي ع 8509/2011، عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، حكم غير منشور.
[25]- حكم ابتدائي ع 260، صادر بتاريخ 21/1010، في ملف جنحي تلبسي ع 12273/10/2009، عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، حكم غير منشور.
[26]- قرار ابتدائي ع 232، صادر بتاريخ 29/3/2011، في ملف جنائي ع 150/2011، عن محكمة الاستئناف بمراكش، غرفة الجنايات الابتدائية، قرار غير منشور.
[27]- قرار استئنافي، صادر بتاريخ 24/4/2012، في ملف جنائي ع 110/2012، عن محكمة الاستئناف بمراكش، غرفة الجنايات الابتدائية، قرار غير منشور.
[28]- قرار ابتدائي ع 664، صادر بتاريخ 16/7/2013، في ملف جنائي ع 424/13، عن محكمة الاستئناف بمراكش، غرفة الجنايات الابتدائية، قرار غير منشور.
[29]- يلاحظ أن المشرع المغربي قيد سلطة القاضي في الاقتناع في جريمتي الفساد وجريمة الخيانة الزوجية كما سبقت الإشارة إلى ذلك، بمعنى أن القاضي ليس له سلطة في تكوين اقتناعه من أي دليل يراه بل عليه أن يستند إلى أدلة حصرية أوردها القانون صراحة، إذ نص الفصل 493 من القانون الجنائي على أنه لا يمكن إثبات جريمة الفساد والخيانة الزوجية إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي.
لكن بالمقابل يرى الأستاذ أحمد الخمليشي أنه يمكن الاعتماد على الصور الفوتوغرافية التي هي دليل علمي لإثبات جريمة الفساد أو الخيانة الزوجية، لكن رغم ذلك فهذا الأمر يعجزه غياب السند القانوني، كما أن الصور الفوتوغرافية قابلة للغش والتدليس خصوصا مع تطور وسائل التكنولوجيا الإعلامية، وتأثيرها على عمليات الصور المفبركة.
[30]- لكن المشرع قيد هذا المبدأ بمجموعة من الاستثناءات على سبيل المثال المحاضر التي يتولى إقامتها أعوان إدارة الجمارك، إذ نص الفصل 242 من مدونة الجمارك على أنه: "إن المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة لأحكام هذه المدونة من طرف عونين للإدارة أو أكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية المضمنة في المحاضر الى أن يطعن في صحتها.ويعتمد عليها في صحة وصدق الإقرارات والتصريحات المتلقاة إلى أن يثبت ما يخالفها...". وقد حددت المادة 244 مسطرة الطعن بالزور في المحضر. ومن الأمثلة أيضا على المحاضر التي لا يطعن فيها إلا بالزور المحاضر المتعلقة بمخالفة قوانين المياه والغابات وفقا للفصلين 65 و66 من ظهير 10 أكتوبر 1917.
[31]- خالد مرزوك، الدليل العلمي وسلطة القاضي الجنائي في تقديره، رسالة لنيل شهادة ماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2008-2009، ص: 77.
[32]- أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة، دار النشر المعرفة الرباط 1980، ص: 251.
[33] المادة 518 من ق.م.ج، " تتولى محكمة النقض النظر في الطعون بالنقض المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الزجرية، وتسهر على التطبيق الصحيح للقانون، وتعمل على توحيد الإجتهاد القضائي.
تمتد مراقبة محكمة النقض إلى التكييف القانوني للوقائع المبنية عليها المتابعة الجنائية، لكنها لا تمتد إلى الوقائع المادية التي يشهد بثبوتها قضاة المحاكم الزجرية، ولا إلى قيمة الحجج التي أخدو بها ما عدا في الحالات المحددة التي يجيز فيها القانون هذه المراقبة.
[34]- خالد مرزوك، الدليل العلمي وسلطة القاضي الجنائي في تقديره،رسالة لنيل الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية وجدة السنة الجامعية 2008-2009 ص: 79.
[35]- أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، بدون طبعة، دار الشروق للنشر القاهرة 2000، ص769.
[36]- قرار للمجلس الأعلى-محكمة النقض حاليا-، عدد 1222 ملف جنحي عدد 90/23569 الصادر بتاريخ 19/7/1995، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 49/50، يوليوز 1997، ص: 186.
[37]- نقض 21/2/1929 أورده رؤوف عبيد في مؤلفه ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية، الطبعة الثالثة، دار الفكر العربي، 1986، ص: 7.
[38] وهنا يمكن لنا التميز بين حجية الشيء المقضي به وقوة الشيء المقضي بيه، حجية الشيء المقضي به هي الحجية التي تكون لجميع الأحكام القطعية والتي يجوز الطعن فيها بالطرق العادية (التعرض والإستئناف) فقط، بينما قوة الشيء المقضي به هي الحجية التي تكون لجميع الأحكام النهائية والقطعية والتي لا يجوز الطعن فيها بالطرق العادية في حين يجوز الطعن فيها بالطرق الطعن الغير العادية (النقض، إعادة النظر وتصحيح القرارات، المراجعة).
[39] المادة الأولى من ق.م.ج:" كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.
يفسر الشك لفائدة المتهم".
وكما نص أيضا الفصل 23 من دستور المملكة لسنة 2011 في فقرته الثالثة " قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان"
[40]  عبد الله أدعول، الدليل ودوره في تحقيق العدالة الجنائية، بحث نهاية، م.س، ص46.
[41] المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل فرد الحق في الحياة والحرّية وفي الأمان على شخصه".
[42] المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:
     لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه.
     يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه.
     يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.
     لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني.
     لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.
[43] الفصل 400 من م.ق.ج: من ارتكب عمدا ضد غيره جرحا أو ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
وفي حالة توفر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة الحبس من ستة شهور إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى ألف درهم.
الفصل 401 من م.ق.ج: إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من أنواع العنف أو الإيذاء قد نتج عنه عجز تتجاوز مدته عشرين يوما، فإن العقوبة تكون الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم.
وفي حالة توفر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح، تكون العقوبة الحبس من سنتين إلى خمس، والغرامة من مائتين وخمسين إلى ألفي درهم.
ويجوز أن يحكم على مرتكب الجريمة، علاوة على ذلك، بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر.
الفصل 402 من م.ق.ج: إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل العنف أو الإيذاء قد نتج عنه فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى، فإن العقوبة تكون السجن من خمس إلى عشر سنوات.
وفي حالة توفر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح، تكون العقوبة السجن من عشر إلى عشرين سنة.
[44] المادة 12: لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات.
[45] المادة 17 .11) لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2). من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس.
[46]  "يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها".
[47]- قانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009)، المنشور بالجريدة الرسمية ع 5711، بتاريخ 23 فبراير 2009.
[48]- التوسع حول الموضوع راجع: يونس التلمساني، الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي في القانون المغربي المقارن، رسالة لنيل دبلوم ماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2008-2009، ص: 47 وما يليها.
[49]المادة 79 لا يمكن دخول المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات الإقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجري العمليات بمنزله.
تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعني بالأمر، فإن كان لا يعرف الكتابة يشار إلى ذلك في المحضر كما يشار فيه إلى قبوله.
تسري في هذه الحالة مقتضيات المواد 59 و60 و62 و63.
إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية وامتنع الشخص الذي سيجري التفتيش أو الحجز بمنزله عن إعطاء موافقته أو تعذر الحصول عليها، فإنه يمكن إجراء العمليات المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة بإذن كتابي من النيابة العامة بحضور الشخص المعني بالأمر وفي حالة امتناعه أو تعذر حضوره فبحضور شخصين من غير مرؤوسي ضابط الشرطة القضائية.
[50]- قرار جنحي صادر بتاريخ 27/7/1994، في ملف ع 3650/93 عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مشار إليه عند: لحسن بيهي، "الدليل العلمي ودوره في تكوين اقتناع القاضي الجنائي، م.س، ص: 48.
[51]- قرار جنحي صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 72/07/1994، ملف عدد 3650/93، منشور بمجلة القصر، العدد 3، ص 63.

تعليقات