دور البرلمان المغربي في صياغة التشريع
وصنع السياسات العمومية من خلال دستور 2011
عبدالرحمان مغاري
تخصص : القانون العام
مقدمة :
طبقا للفصل 60 من الدستورالذي تم اقراره عن طريق الاستفتاء المجرى يوم الجمعة 28 من رجب 1432 ، الموافق لفاتح يوليوز 2011 ، يتكون البرلمان المغربي من مجلسين ، النواب ومجلس المستشارين ،كما يختص طبقا لدستور1996 والحالي ، في اقتراح القوانين العادية والمصادقة عليها وتعديلها والغائها ،بالاضافة الى ذلك المصادقة على القوانين التنظيمية ، كل ذلك يتم وفق مساطر محددة ومظبوطة دستوريا. الا انه يلاحظ ، بأن هذا " الامتياز "، الدستوري لانجد له أثر يذكر على مستوى حصيلة المنتوج التشريعي بالمغرب ( 1)وفي صنع السياسات العمومية (2) ، وكذلك بالنسبة في العديد من الدول العربية ، حيث الغلبة في استصدار وصياغة القانون تعود للحكومة ( السلطة التنفيذية )، نظرا للكفاءات والاطر التي تتوفر عليها ، كما أنه قد يعود الامر، الى التعقيدات التي تواجه العضو البرلماني في القيام بذلك ، وذلك لكون صياغة القانون تتطلب المهارات الفنية والمعرفة الدقيقة بالقوانين وخطوات صياغته ، ومن جهة اخرى الى غياب رؤيا استراتيجية لدى الاحزاب للقيام بالمطلوب منها ما يتعلق بعملية التكوين المعرفي للأعضاء التي تتوفر فيهم الشروط للقيام بالمتعين .وبناء على ماسبق ، تتجلى أهمية الموضوع، في تبيان "الامتيازات " الدستورية الممنوحة للبرلماني ووزنه الكبير للقيام بالمطلوب منه في مجال التشريع ، كما يتغيا من هذه الدراسة ، انجاز تقرير شامل من خلال الاجابة على الاشكاليات التالية ،ما المقصود بالقوانين العادية ؟ وما هو الفرق بينها وبين القوانين الدستورية والقوانين التنظيمية ؟، وماهي ميادين ومجالات القوانين العادية؟ ،وما هي الاجراءات لتقديم مقترحات القوانين من طرف أعضاء البرلمان والمصادقة عليها؟ ( المحور الاول ) ،وماهي حصيلة المقترحات والمشاريع المقدمة برسم الولاية التشريعية 2007/2011 بالمغرب ؟ وما هو الامر بالنسبة لباقي الدول بالعالم العربي على سبيل المقارنة ؟ ( المحور الثاني )،و ما هو دور البرلماني في صياغة التشريع ؟ وما القصد بالصياغة التشريعية؟ وماهي الخطوات الجوهرية والعوامل والقواعد الاساسية لصياغة المقترحات التشريعية .؟ ( المحور الثالث) .ومن خلال التصميم التالي سيتم تقديم الإجابات عن الإشكاليات المطروحة أعلاه:
- تحديد المقصود بالقوانين العادية وتمييزها عن القوانين الدستورية والقوانين التنظيمية:
- القوانين العادية:هي القوانين التي تختص بوضعها وتعديلها والغائها السلطة التشريعية ( البرلمان )،كما هو الحال في الدستور المغربي لسنة 1996 أو الدستو الحالي 2011 ، وهي قوانين محددة دستوريا ، تحدد فضاء الاختصاصات المخولة للسلطة التشريعية .وتجدر الاشارة ، الى انه حسب الفقهاء الدستوريين وانطلاقا من مبدا سمو الدستور ، لايجب ان تخالف القوانين العادية احكام الدستور (3) . وللتذكير، فان جل الانظمة الدستورية تنص على ان للسلطة التشريعية الاختصاص لسن القوانين العادية، ونخض بالذكر دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا ( دستور1958 )، وكذلك بالنسبة لدستور الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول العر بية كمصر أواليمن قبل الثورات العربية .واستثناء للقاعدة السالف ذكرها، نجد بان هناك حالات تخص سن القوانين من طرف الملك والحكومة ،كما هو الحال في الدساتير المغربية السابقة ( 1962/ 1970/1972/1992/1996/)*.
وبما ان الدستور هو المحدد الاساسي لدور السلطة التشريعية وباقي السلط الاخرى ، ينبغي التمييز بين القوانين المنصوص عليها دستوريا ،ويتعلق الامر يالقوانين العادية و الدستورية وكذالك القوانين التنظيمية .
- التمييز بين القوانين العادية ،والقوانين الدستورية:كما سبق توضيحه، فالقوانين العادية هي من اختصاص البرلمان في حين نجد ان القوانين الدستورية هي المنظمة والمحددة لاختصاصات البرلمان ومجالاته ، وبالرجوع الى الفقه الدستوري، فان التمييز بين القوانين العادية والدستورية يستند على معيار شكلي ،حيث ان القوانين الدستورية من حيت النشأة توكل الى السلطة تاسيسية اما معينة ( المغرب ) ،أو منتخبة ( تونس الثورة ) ، كما تستند على معيار موضوعي، حيث ان جوهر الدستور يهتم بتنطيم المؤسسات ودواليب الحكم داخل الدولة وتحديد اختصاصات كل سلطة .ويتعلق الامر، بالسلطة التنفيذية ، السلطة القضائية والسلطة التشريعية وكذلك باقي المؤسسات .
- التمييز بين القوانين العادية والتنظيمية:ان القوانين التنظيميةيعود الاختصاص فيها الى الحكومة (السلطة التنفيذية )، وهي كذلك منظمة ومحددة ومعروفة دستوريا ،بالاضافة الى ذلك نص الفصل 72 من الدستور الجديد ( 30 يوليوز 2012) على ان " يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون." كما مكن الدستور الحكومة في فصله 73 ، من تغيير النصوص التشريعية الصادرة عن البرلمان من حيث الشكل بعد موافقة المحكمة الدستورية – نص عليها الفصل 29 من الدستورالحالي - ويتعلق الامر بمضمون يدخل في مجالات السلطة التنظيمية.
بعد تقديم توضيحات يشان التمييز بين القوانين الدستورية والعادية والتنظيمية يطرح التساؤل حول ماهي ميادين ومجالات القوانين العادية ؟
• ميادين ومجالات القوانين العادية: اختلفت الميادين والمجالات من دستور سنة 1996 والدستور الحالي ( 30يوليوز 2011)، فالفصل 46 من دستور 1996 على سبيل المقارنة ، يشير الى انه :يختص القانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين الآتية : الحقوق الفردية والجماعية المنصوص عليها في الباب الأول من هذا الدستور؛-تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها والمسطرة الجنائية والمسطرة المدنية وإحداث أصناف جديدة من المحاكم؛ النظام الأساسي للقضاة؛ النظام الأساسي للوظيفة العمومية؛ الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين؛ النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية؛ نظام الالتزامات المدنية والتجارية؛ إحداث المؤسسات العمومية؛ تأميم المنشآت ونقلها من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وللبرلمان صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ".كمااكد الفصل 45 من نفس الدستور ، على ان القانون يصدر عن البرلمان بالتصويت ، و نص على ان يؤدن للحكومة ا ستصدار القوانين العادية في ظرف من الزمان على ان يتم عرضها على انظار البرلمان قصد المصادقة عليه (الفقرة الثانية من الفصل 45) و (الفصل 55) ،وكذلك حدد الدستور المشار اليه مجالات يتم من خلالها الملك من استصدار القوانين العادية ( الفصل 66)و ( الفصل 52) بالاضافة الى مواد اخرى .ويتبين بان صنع القوانين العادية يتقاسمه البرلمان والحكومة والملك .
وبالنسبة لدستور 2011 (4)، فالامر اختلف، حيت ان ميادين ومجالات انتاج القوانين العادية اصبحت متعددة وواسعة ومتنوعة ،وهي كالتالي : لاول مرة نص الدستو في فصله 70 على ان :
• " يمارس البرلمان السلطة التشريعية." كما "
• يصوت على القوانين،
• ويراقب عمل الحكومة،
• ويقيم السياسات العمومية. "
وهكذا، يتبن من خلال الفصل المذكور اعلاه بأن للممارسة البرلمانية ثلاثة ابعاد جوهرية :
• تشريعي :- وتتعلق باقتراح القوانين المحددة له دستوريا والمصادقة عليها، والمصادقة وجوبا على القوانين التنظيمية ( الفصل 86)؛
•
- رقابي: تتجلى من خلال مراقبة عمل الحكومة ؛
- وتقييمي :يتعلق الامر بتقييم السياسات العمومية.
وبما ان الموضوع يتعلق بالتشريع – باعتباره مجال خاص بالبرلمان-، نص الدستور في الفصل 71 منه إلى انه ، " بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، بالتشريع في الميادين التالية: الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير، وفي فصول أخرى من هذا الدستور، ويشكل التصدير جزءا لا يتجزأ من الدستور، نظام الأسرة والحالة المدنية؛مبادئ وقواعد المنظومة الصحية؛نظام الوسائط السمعية البصرية والصحافة بمختلف أشكالها؛ العفو العام؛ الجنسية ووضعية الأجانب؛ تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها؛ التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم؛ المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية؛ نظام السجون؛ النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين ، نظام مصالح وقوات حفظ الأمن؛ نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية؛ النظام الانتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية؛ النظام الضريبي، ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها، النظام القانوني لإصدار العملة ونظام البنك المركزي؛ نظام الجمارك؛ نظام الالتزامات المدنية والتجارية، وقانون الشركات والتعاونيات؛ الحقوق العينية وأنظمة الملكية العقارية العمومية والخاصة والجماعية؛ نظام النقل؛ علاقات الشغل، والضمان الاجتماعي، وحوادث الشغل، والأمراض المهنية؛ نظام لأبناك وشركات التأمين والتعاضديات؛ نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ التعمير وإعداد التراب، القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، نظام المياه والغابات والصيد، تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني؛ إحداث المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام؛ تأميم المنشآت ونظام الخوصصة.و للبرلمان، بالإضافة إلى الميادين المشار إليها في الفقرة السابقة، صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة، في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية."
وللإشارة ، فان مجال التشريع ليس فقط من اختصاصه فقط ، وإنما يمتد إلى مؤسسات أخرى حددها الدستور الحالي في :
• الحق للمواطنين والمواطنات في تقديم ملتمسات في مجال التشريع ( الفصل 14) وان شروط وكيفيات تقديم ذلك سيتم تحديدها بواسطة قانون تنظيمي ؛
• كمايضمن الدستور في فصله 10، الحق للمعارضة البرلمانية في المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع ولاسيما عن طريق تقديم مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان،كما ضمن لها كذلك في الفصل 60 من الدستور المشاركة في وظيفتي التشريع والمراقبة .
هذا ويخول الدستور للملك في فصله 59 صلاحية اتخاذ الاجراءات التي تفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية في حالة تهديد حوزة التراب الوطني او وقع من الاحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية .و لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين ( الفصل 78)، كما مكن الفصل 81 من الدستور خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الامر في كلا المجلسين مراسيم قوانين والتي يجب عرضها قصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورة العادية الموالية .
ويستنج من خلال الفصول السالفة الذكر بان ميادين وموضوعات التشريع تعود في جزء كبير منها وإلى إنشاءها : الى البرلمان ،كما ان للملك الحق في القيام بذلك ،و ان للحكومة الحق كذلك في استصدارها، كما أعطى الدستور الحالي ، الحق كذلك للمجتمع المدني وللمواطنين ولكن وفق إجراءات سيحددها قانون تنظيمي ( الحكومة )، وهي مسألة محمودة ومقبولة، وذلك لكون المجالات المحددة دستوريا للبرلمان قد تغيب حقوق المواطنين أحيانا وأولوياتهم ، كما ان الصياغة للفصل 14 ، تثغيا تفعيل مشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم عبر مشاركتهم في ترجمة اهتماماتهم من خلال صياغتها بملتمسات تشريعية .
ومقارنة مع دول اخرى ،يتبن بان مجالات وموضوعات التشريع بالنسبة لأعضاء الكونغرس بالولايات المتحدة الامريكية (5)،تختلف بكثير عما هو مدستر بالمغرب، حيث نجد بان مجال التشريع في الدستور المغربي تتعلق بالحقوق والحريات والقوانين المدنية والمصادقة على القوانين وتعديلها بما فيها قانون المالية، في حين يمتد الأمر في الدستور الأمريكي إلى:سك وطبع العملة، وتنظيم قيمتها وقيمة العملات الأجنبية،استدانة الأموال لحساب الولايات المتحدة، إعلان الحرب ،إنشاء الجيوش وتأمين نفقاتها.و تكوين قوة بحرية والتكفل بها. بالإضافة الى وضع أحكام لتنظيم وتسليح وتدريب المليشيا.
• طرق تقديم مقترحات القوانين من طرف أعضاء البرلمان :تجدر الإشارة ،إلى المجالات المتعلقة بالقوانين العادية يعود أمر تقديمها للنقاش والتداول بشأنها ، بواسطة مقترحات يتقدم بها أعضاء البرلمان ، وذلك ما نص عليه الفصل 78 من الدستور الحاليبالإشارة إلى أن " لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين." كما نص في فقرته الثانية بان "تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين.يتبين من خلال الفقرة الثانية من الفصل السالف الذكر، بأن المشاريع المتعلقة بالجماعات الترابية وهي حسب الفصل 135 ،الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات ( الحضرية والقروية )، يعود الاختصاص فيها الى مجلس المستشارين ،وللحق للحكومة، أن ترفض كل مقترح او تعديل لايعود امر الاختصاص والنظر فيه الى البرلمان، وكل خلاف حول ذلك تبث فيه المحكمة الدستورية في أجل تمانيه ايام بطلب من طرف رئيس الحكومة او من أحد رئيسي المجلسين .هذا ،وتحال المشاريع المقدمة من طرف الحكومة والمقترحات المقدمة من طرف البرلمان للنظر فيها على اللجان التي يستمر عملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات(دورتين في السنة) .ويضع مكتب البرلمان جدول اعماله متضمنا مشاريع القوانين والمقترحات بالأسبقية والترتيب الذي تحدده الحكومة ، ويخصص يوم واحد في الشهر لدراسة المقترحات من بينها تلك المقدمة من طرف المعارضة .
المراجع المعتمدة في المحور الاول :
- ( 1) حصيلة المقترحات والمشاريع المقدمة برسم الولاية التشريعية 2007/2011 ، المو قع الالكتروني للبرلمان المغربي .
• (2)- حسن طارق ، السياسات العمومية بين السياسة والادارة : ملاحظات حول الحالة المغربية،المجلة المغربية لعلم السياسة. العدد الثاني نونبر 2011.
• (3 ) محمد ظريف ، مدخل لدراسة النظرية العامة والانظمة السياسية ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدارالبيضاء، نونبر 1998 ص (199 )
• ( 4) الدستور المغربي الجديد .ظهير شريف رقم 91-1-1 صادر في تاريخ 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليو 2011 بتنفيذ الدستور .
• (5) الوتيقة الدستورية للولايات المتحدة الامريكية ،الموقع الالكتروني " المعرفة ".
• (*) وتائق حول الدساتير المغربية ، الموقع الالكتروني "المغرب الدستوري ".
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقك يهمنا